أقلام حرة

الهدم لا الترميم يا وزير التعليم

نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً للكاتب طارق عباس وجاء كالتالي :

بمتابعتى لمساعى وزير التعليم الحالى الدكتور طارق شوقى وتصريحاته حول رؤيته لتطوير التعليم، أشعر بجدية الرجل وبرغبته الحقيقية فى عدم ترك منظومة التعليم على حالها، وإحداث تغيير سريع فى بنيانها، لذلك أراه أكثر الوزراء عرضة لمعاول الهدم، لأن ما يسعى إليه هو ضد ما هو مستقر من مفاسد وأخطاء اُبتُلِىَ بها التعليم، وإقدام الرجل على تحمل مسؤولية هذا الملف الخطير فى هذا التوقيت، دليل على وعيه بأن ترك المنظومة على حالها سبة فى جبين كل مسؤول شريف وطنى يحب هذا البلد ويخاف على أهله، خاصة أن ما يُنفَق من جهد ووقت ومال على ما يُسمّى بالتعليم يضيع سدى، ويزيد أمية الكتابة والقراءة أمية متعلمين. وحسب ما فهمت أن الرجل يريد أولا القضاء على بعبع الثانوية العامة لمواجهة سرطان الدروس الخصوصية الذى يكاد يفترس جيوب أولياء الأمور واستقرارهم المادى والمعنوى، وهو تحرك محمود ومُحتَرَم لكنه يأتى فى إطار ما يمكن تسميته بالترميم، أى إحداث بعض الإصلاحات فى منظومة التعليم الموجودة، وهنا مكمن الخطر، لأن معالى الوزير – نظرا لِثِقَل التركة التى تسلمها – يريد إنقاذ ما يمكن إنقاذه لكنه دون قصد منه يرتكب خطأ جسيما فيُرَقع ثوبا ممزقا وغير صالح للاستهلاك، وكل رقعة ستوضع فيه ستزيده قبحا، وطالما وُجِدَت الرغبة الصادقة فى هدم جدار الفشل فلا بد من ثورة على هذه المنظومة المترهلة بهدمها هدما تاما، وإعادة بنائها على نظافة وذلك من خلال:

أولا، اتخاذ قرار فورى بإلغاء أنظمة التعليم المتعددة، التى لا أظن أن لها مثيلا فى أى دولة من دول العالم، ففى مصر يوجد: «تعليم حكومى وأزهرى وتجريبى وخاص، تعليم دولى أمريكى وألمانى وفرنسى وكندى»، وكلها أنظمة تعمل فى أطر متناقضة ورؤى تخلق طبقية تعليمية ترسخ لغربة ثقافية مرعبة تقتل فى النشء الهوية والانتماء وتُحيل المجتمع كله لخلايا متناحرة متنافرة لا تصنع مناعة تحمى جسد الوطن من أى مخاطر يتعرض لها.

ثانيا، إلغاء تدريس المواد العلمية باللغة الإنجليزية أو أى لغة غير العربية، طيلة المرحلة التمهيدية ومرحلة التعليم الأساسى، والتى لا يجب أن تزيد على ست سنوات، حتى نعطى وجدان الطفل وعقله فرصة التمكن من اللغة العربية وهضمها، وكان هذا النظام معمولا به حتى ثمانينات القرن الماضى. ولا يعنى هذا إهمال اللغة الإنجليزية وعدم الاهتمام بها لكن من خلال تدريس المادة والاهتمام بقواعدها باعتبارها لغة ثانية تأتى بعد اللغة العربية، فمنذ متى احترم العالم دولة لا تحترم لغتها؟!.

ثالثا، إلغاء نظام الفترتين المعمول به فى المدارس الحكومية واستبداله بنظام اليوم الكامل، بحيث يذهب طلاب الفترة الصباحية مثلا أيام: «السبت والأحد والاثنين» بينما يذهب طلاب الفترة المسائية أيام: «الثلاثاء والأربعاء والخميس» ويطبق نفس النظام على المدارس الخاصة، فمن ناحية تقل الكثافة المرورية فى الشوارع ومن ناحية أخرى تُخصص ثلاثة أيام كاملة لممارسة الأنشطة الفنية والرياضية والزراعية والأبحاث العلمية.

رابعا، إعادة النظر فى مجانية التعليم المزعومة بحيث تقتصر على مرحلة التعليم الأساسى وتستمر مع المتفوقين وغير القادرين فى بقية المراحل، وبذلك تدخل موارد مالية كبيرة إلى وزارة التعليم كانت تذهب لجيوب سماسرة الدروس الخصوصية.

خامسا، تطبيق نظام الثانوية التخصصية فيختار الطالب الاتجاه العلمى الذى يود دراسته بداية من الصف الأول الثانوى، فمثلا يلتحق الطالب الراغب فى دخول كلية الهندسة بالثانوية الهندسية وكذا بالنسبة للطب والزراعة والتكنولوجيا والرياضة والفن و… و…

سادسا، إصدار قرار فورى وحاسم بإغلاق جميع مراكز الدروس الخصوصية وتجريم من يخالفون هذا القرار بتوقيع أقصى العقوبة عليهم، وفى الوقت نفسة إعادة الطلاب للمدارس ومحاسبة المدرس المقصر فى أداء واجبه.

أشياء كثيرة كانت ضرورية تسبق مرحلة تطوير الثانوية العامة، أتمنى أن يلتفت إليها الوزير ويضعها ضمن أولوياته لأننا لا نريد استمرار سياسة الترميم لأنها لم تعد مناسبة ولكى يحدث التطوير الحقيقى فلا بد من الهدم أولا ثم البناء على قواعد قوية تأخذ مصر لآفاق المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى