نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً لحمدي رزق بعنوان : ( حديث الواسطة يسرى ) ، وجاء كالتالي :
قال اللواء أركان حرب جمال أبو إسماعيل، مدير الكلية الحربية: «لا وساطة نهائيا فى القبول بالكليات والمعاهد العسكرية، والطالب المؤهل يحصل على فرصته كاملة».
وبالمثل قال اللواء دكتور أحمد العمرى، مساعد وزير الداخلية، رئيس أكاديمية الشرطة: «لا للوساطة أو المحسوبية فى القبول، والكلمة الأخيرة والحاسمة لمن تتوافر لديه معايير وقواعد القبول بالكلية».
هل هذا كافٍ لقطع الألسنة التى تلوك حديث الواسطة؟، أشك، المصريون يطالعون مثل هذه التصريحات بابتسامة خبيثة، عادة لا يصدقون، ويغردون ويفسفسون، ويشككون.. لماذا؟.
لأنهم بشكل أو بآخر تعاطوا مع الواسطة، ولجأوا إليها، وتعاملوا بها، وفازوا يوما بالواسطة، عن تجربة كما يقولون.
وكيف يبرر الفاشلون فشلهم؟، وإلام يعزو المخفقون إخفاقهم؟، حديث الواسطة لزوم ما يلزم، وإذا لم يجد البعض واسطة لاخترعوها، الواسطة اختراع مصرى، الواسطة ممارسة عملية يقترفها المصريون يوميا، المصريون يتوسطون لبعضهم البعض عند مصريين آخرين، وهكذا دواليك.
المقدران مدير الكلية الحربية، ورئيس أكاديمية الشرطة، تحدثا بما هو واقع وحادث فى الاختبارات أمامهما، وقد شاهدت طرفا منها، وهى اختبارات من الصعوبة ولا تمرر إلا لائقا جسديا ونفسيا وعصبيا، فضلا عن سيرة حسنة لرابع جيل فى الأسرة عبر مصافٍ واحترازات لا تمرر إلا من كان مؤتمناً على حمل الأمانة.
خلاصته حديث الواسطة يسرى، البلد كله يبحث عن واسطة لسبب ما، رخصة، مخالفة مرور، مسابقة وظيفة، المصرى يبدأ بتأمين الواسطة أولا، إدمان المصريين للواسطة ظاهرة تستأهل بحثا اجتماعيا معمقا.
المصريون صاروا أسرى الواسطة، انخفضت معدلات الثقة فى الجهاز الحكومى، شيوع الواسطة صار طقسا، سمّها ما شئت واسطة، توصية، رعاية، المهم لا يهدأ ولا يرتاح جنب المصرى إلا إذا حدثك بالواسطة وهو موقن.
اقتلاع فكرة الواسطة من عقول المصريين يحتاج إلى معاملات ثقة مستدامة، المصريون جربوا الواسطة طويلا ونفعت، وكم تحكمت الواسطة فى تعيينات ومناصب ووظائف، وكم قتلت الواسطة طموحات، وأحبطت آمالاً، وأعدمت مستقبل شباب زى الورد لم يحوزوا واسطة تعينهم فى ارتقاء الجبل الواعر.
اختبارات الحربية والشرطة القاسية والممنهجة البرامجية تعيد الثقة لجموع الشباب، شفافية الاختبارات وعلنيتها ترفع منسوب الثقة فى المجتمع، بيننا أولاد ناس طيبون نجحوا فى الاختبارات دون واسطة، وأعلم أن أكثر المتحدثين عن شيوع الواسطة هم من يبحثون عن الواسطة، وهم من يوسطون، وهم من يستحثون الخطى إلى الواسطة حتى قبل الشروع فى الاختبارات.
الأخطر من حديث الواسطة، ما يمكن أن نسميه تجار الواسطة، هؤلاء يتاجرون فى الواسطة، وللواسطة تسعيرة، وأرقام خرافيــة، ومستوى احترافى من النصب، والغريب سقوط العاديين دوماً فى براثن النصابين، هناك إحساس طاغٍ بسطوة الواسطة، والمتضررون من الواسطة هم أول من يسعى إليها.
الوسطاء يمتنعون، ومن يتجرأ على الوساطة فى الحربية والشرطة لا يلومن إلا نفسه، القانون العسكرى يتشدد وبقسوة فى الواسطة والرشوة، ومع ذلك هناك من يسرح من السرح بالطامحين، الواسطة تجارة رابحة، نصباية مستمرة، وحتما ولابد من إجراءات ترافق التصريحات تلجم الوسطاء، وتقطع دابر الواسطة.