أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسيات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية وتأثير علاقتها الحميمية مع إسرائيل التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وإذا كنا نتحدث عن علاقة أمريكا بمنطقة الشرق الأوسط فإننا لا يمكن أن نتجاهل الزواج الكاثوليكى بين إسرائيل وأمريكا، وهى العلاقة التى أدت إلى إعلان أمريكا انحيازها لكل خطايا إسرائيل تجاه العرب وفلسطين، وهناك الآلاف من الوثائق والكتب التى خرجت لترصد هذه العلاقة الغريبة، ففى عام 2007 خرج علينا كل من «جون ج. ميرشايمر» و«ستيفن م. والت» الذى حمل عنوان «اللوبى الإسرائيلى والسياسة الخارجية الأمريكية» وترجمه الكاتب سعيد الشطبى يقول المؤلفان «جون ج. ميرشايمر» و«ستيفن م. والت» فى وثيقتهما الخطيرة يواصل الكشف عن سيطرة اللوبى اليهودى على كل الإدارات الأمريكية، حيث يقول المؤلفان، إن اللوبى اليهودى ينتمى إليه عدد من الجماعات ذات التأثير الكبير داخل أمريكا، منها منظمة «إيباك» و«المؤتمر اليهودى الأمريكى» و«منتدى السياسة الإسرائيلى» و«اللجنة الأمريكية اليهودية» و«الأصدقاء الأمريكيون للكود»، بل إن 51 منظمة من أكبر المنظمات وأهمها تجتمع فى إطار «مؤتمر الرؤساء»، وهو تنظيم ضاغط كبير يعمل لمصلحة إسرائيل.
ويفرد الكاتبان لتيار المحافظين الجدد داخل اللوبى الإسرائيلى حيزا مهما اعتبارا للأهمية الكبيرة التى ينطوى عليها فى بلورة السياسة الخارجية الأمريكية التى تجسدت بشكل كبير على عهد إدارة الرئيس جورج بوش، خاصة بعد أحداث 11 ستمبر 2001 وقرار غزو العراق، ذلك أن الأغلبية المهيمنة داخل هذا التيار ملتزمة بدعم إسرائيل؛ فلا غرابة، إذن، يقول المؤلفان فى أن يتبنى المحافظون الجدد مواقف اليمين الإسرائيلى.
ويفصل الكتاب أيضا فى تيار الصهاينة المسيحيين، كجزء من اللوبى، الذى ينتمى إليه عدد من الشخصيات البارزة فى السياسة الأمريكية والعديد من المنظمات الفرعية فى إطار تكتل قوى يخدم مصالح إسرائيل فى أمريكا، ويرصد الكثير من مستويات الدعم الذى تقدمه المنظمات الصهيونية المسيحية إلى إسرائيل بدافع دينى يوقظ أحيانا نار الغيرة بين المتشددين اليهود أنفسهم.
وأهمية هذا التيار تكمن فى كونه يشكل صوتا متعاطفا مع إسرائيل من خارج الجماعة اليهودية بأمريكا، وفى الدور الذى يلعبه على مستوى الحسابات الانتخابية لدى المسؤولين السياسيين الذين لا يتمتعون بقاعدة ناخبة يهودية كبيرة.
لكن، ما السر فى التأثير الكبير الذى يتمتع به اللوبى الإسرائيلى؟ سؤال يطرح نفسه بإلحاح أمام الالتزام الكبير الذى تحرص عليه الولايات المتحدة تجاه مصالح إسرائيل، وهى الدولة العظمى فى العالم، جزء من الجواب عن هذا السؤال يرتبط بطبيعة النظام السياسى الأمريكى المنفتح، فالولايات المتحدة تتمتع بنظام رئاسى، وبرصيد كبير من ممارسة حرية التعبير، ونظام انتخابى مرتفع التكاليف بالنسبة إلى المرشحين، وتقنين تنفلت من عقاله مصادر تمويل الحملات الانتخابية. ويسمح هذا المحيط السياسى لمختلف الجماعات بالتأثير على السياسة الأمريكية بطرق مختلفة، فجماعات الضغط يمكنها أن تدعم حملة أحد المرشحين والانخراط، فى نفس الوقت، فى حملة أخرى ضد مرشح آخر، كما يمكنها أن تشكل رأيا قائم الذات.
واستنادا إلى ما يمكن أن تتمتع به الجماعات الضاغطة من دور حاسم فى تمييل كفة المصالح، يعمل اللوبى الإسرائيلى على صياغة استراتيجية متكاملة لخدمة مصالح إسرائيل، ولعل أول عناصرها، كما يفسر ذلك المؤلفان، هو السعى إلى السيطرة على مركز القرار فى البيت الأبيض والتحكم فى الخطاب العمومى.
وهنا، تبرز منظمة «إيباك» لما لها من تأثير على الرؤساء الأمريكيين، سواء فى الحزب الجمهورى أو الحزب الديمقراطى، ولقدرتها الكبيرة، من خلال تمويلها للحملات الانتخابية، على مكافأة المنتخبين والمرشحين نظير تأييد هؤلاء لأهدافها؛ وقدرتها على معاقبة أولئك الذين يرفضون طلباتها. ويشتغل ميكانيزم التأثير لدى هذه المنظمة بطرق عديدة، منها اعتمادها فى ماليتها، على عطايا الكثير من المانحين الخواص، كما أن المنظمة تعمل على مساعدة المرشحين للانتخابات على إيجاد مانحين آخرين وموارد تمويلية إضافية، وإذا لم تنفع أساليب الردع والضغط الانتخابى تلجأ «إيباك» إلى التهديد الضمنى للمسؤولين السياسيين المترددين.
ويسعى اللوبى الإسرائيلى دائما إلى الضغط فى اتجاه انتخاب رئيس موال لإسرائيل، من خلال الاعتماد على القوة الناخبة لليهود الذين غالبا ما يسجلون أعلى نسبة مشاركة انتخابية، كما أنهم ممركزون فى الولايات المهمة، مثل كاليفورنيا وفلوريدا وإيلينوا ونيو جيرسى ونيويورك وبنسيلفانيا… وهو ما يرفع من وزنهم فى انتخاب الرئيس. وعندما يشتد التنافس الانتخابى بين المرشحين يمكن للتصويت اليهودى أن يحسم فى الأمر لمصلحة هذا المرشح أو ذاك. وعليه، فإن الكتلة الناخبة اليهودية لها اعتبار مهم ضمن حسابات الساسة الأمريكان، كما أن جميع المرشحين يسعون إلى التعريف بذاتهم أمام منظمة «إيباك» القوية ومنظمات أخرى فى اللوبى إدراكا منهم أن دعمها لهم يسهل حصولهم على المساعدات والعطايا المالية، ويشجع الناخبين على التصويت لهم.
وقد لعب اللوبى الإسرائيلى، كما يؤكد المؤلفان، دورا كبيرا فى توجيه السياسة الأمريكية الخارجية، وذلك من خلال اتباع أساليب تأثير أخرى منها تحريف المعلومات والوثائق السرية، إذ إن كبار المسؤولين فى اللوبى لا يترددون فى ربط علاقات وطيدة مع خبراء الاستخبارات وزيارة مقر «سى آى إيه»، والإدلاء بمعلومات تدفع فى اتجاه اتخاذ قرار فيه مصلحة إسرائيل، وتقديم تقارير مغرضة عن وضع ما.. يتبع.