نشرت مجلة ( فورين بوليسي ) الأمريكية تقريراً حول أزمة سد النهضة، مشيرة إلى أن تلك القضية تثير التوترات في إفريقيا، كما أنها تمثل نقطة ارتباك وخلاف داخل الحكومة الأمريكية، حيث يشعر العديد من المسئولين بالقلق من أن واشنطن تنحاز لمصر على حساب إثيوبيا، مضيفة أنه وفقاً لـ (6) مسئولين ومساعدين بالكونجرس، فإن إدارة ” ترامب ” تدرس حجب بعض المساعدات لإثيوبيا بشأن مشروع سد النهضة الذي أدى لتوتر شديد لعلاقتها مع دولتي المصب ( السودان / مصر) .
وذكرت المجلة أن سد النهضة أصبح نقطة للتوترات الجيوسياسية بين مصر وإثيوبيا، حيث ألمح الرئيس ” السيسي “ إلى أن بلاده يمكن أن تستخدم القوة العسكرية لوقف المشروع، في الوقت الذي يخشى فيه الكثير من تأثير السد على إمدادات المياه، لكن بعض المسئولين الأمريكيين أكدوا أن المشروع غذى أيضاً الانقسامات والارتباك بشأن السياسة داخل الحكومة الأمريكية، منذ أن طلب الرئيس ” السيسي ” من الرئيس ” ترامب ” المساعدة في التوسط في المفاوضات بشأن السد العام الماضي، حيث إن هناك قلق متزايد من أن إدارة ” ترامب ” تنحاز لصالح مصر على حساب إثيوبيا.
كما ذكرت المجلة أنه رغم تلك التصريحات التي تتهم الإدارة الأمريكية بالانحياز إلى مصر ، فإن المتحدث باسم وزارة الخزانة الأمريكية أكد أن الإدارة تعمل كوسيط محايد، فالهدف الوحيد للحكومة الأمريكية، ولا يزال، هو مساعدة مصر وإثيوبيا والسودان في التوصل لاتفاقية عادلة بشأن ملء وتشغيل السد، مشيرة إلى البيان الإثيوبي الذي أوضح أن الدول الثلاث أحرزت تقدماً كبيراً في نزاعها في محادثات توسط فيها الاتحاد الأفريقي ووافقت على مزيد من المفاوضات التي تهدف لحل شامل لقضايا المياه حول السد، مؤكدة أن ذلك البيان يرسل إشارة إيجابية لبعض المسئولين والمراقبين الأمريكيين الذين يخشون من أنه إذا استمرت إثيوبيا في ملء الخزان خلف السد دون اتفاق مع مصر، فقد تتحول التوترات الإقليمية إلى مواجهة عسكرية.
وأوضحت المجلة أن مسئولان في الإدارة الأمريكية وصفا البيان الإثيوبي بأنه مؤشر على أن المفاوضين وضعوا الأساس لاتفاق نهائي، مؤكدين أن مشاركة إدارة ” ترامب ” ساعدت (مصر / إثيوبيا / السودان) على إحراز تقدم في المفاوضات خلال الأشهر التسعة الماضية أكثر من السنوات التسع الماضية، حيث اتفقت الدول الثلاث على إجراء مزيد من المناقشات الفنية حول وتيرة ملء الخزان وإجراءات التخفيف من الجفاف مع التركيز على إبرام اتفاق نهائي، مضيفة أنه رغم ذلك فإن العديد من المسئولين الأمريكيين أكدوا أن إدارة ” ترامب ” يمكن أن تمضي قدماً في خفض المساعدات لإثيوبيا إذا وصلت المفاوضات لطريق مسدود آخر ولم يتمكن الطرفان من التوصل لاتفاق نهائي.
كما أوضحت المجلة أن فكرة إنشاء سد كهرومائي ضخم على أعالي نهر النيل كان حلماً منذ أيام الإمبراطور الإثيوبي ” هيلا سيلاسي ” في الستينيات، مشيرةً إلى أن السد ليس مجرد وسيلة لتوفير الكهرباء للإثيوبيين، ولكنه أصبح نقطة فخر وطني ورمزاً لطموحات البلاد كقوة إقليمية، مضيفة أنه على الرغم من أن وزارة الخارجية الأمريكية هي من تتعامل تقليدياً مع القضايا الدبلوماسية، إلا أن الرئيس ” ترامب ” كلف وزارة الخزانة لقيادة جهود الوساطة بين (مصر / إثيوبيا)، ليؤكد بعض المسئولين الأمريكيين أن ذلك أدى لتزايد الانقسامات بين وزارة الخزانة ووزارة الخارجية، وكذلك أدى لحدوث ارتباك حول كيفية تعامل واشنطن مع المفاوضات، إلا أن البعض رفض هذه الرواية، وأصروا على أن وزارة الخزانة ووزارة الخارجية كانتا تنسقان مع بعضهما البعض بشكل كبير فيما يخص المفاوضات.
و ذكرت المجلة أن إثيوبيا أكدت أنها ستواصل مشروع السد على الرغم من الخلافات المستمرة مع الدول الأخرى، كما أنها بدأت في ملء الخزان الضخم خلف السد هذا الشهر، مستفيدة من موسم الأمطار في إثيوبيا، في حين يخشى المصريون من أن إثيوبيا ستملأ السد على مدى بضع سنوات فقط، مما قد يؤدي لتقليل إمدادات المياه التي تحتاجها مصر وخاصة للزراعة، إلا أن الحكومة الإثيوبية تؤكد من ناحيتها أن وتيرة التعبئة لن تؤثر على إمدادات المياه، وتصر على أن مصر استخدمت مياه النيل أكثر مما يحق لها منذ عقود.
فيما ذكرت المجلة أن وزارة الخزانة طلبت هذا الشهر من وزارة الخارجية تقريراً عن جميع المساعدات الأمريكية التي تم التعهد بها لإثيوبيا، وهي خطوة أكد (3) مسئولين أنها تهدف إلى حجب بعض أو كل المساعدات – التي لا تتعلق بالنواحي الإنسانية – كوسيلة ضغط إذا توقفت المفاوضات، مؤكدة أن أي قرار بتغيير أو حجب المساعدات الأمريكية، سيكون بيد البيت الأبيض أو الكونجرس، مضيفة أن عدد من المسئولين أوضحوا أنه ليس من الواضح ما هي المساعدة المحددة التي سيتم حجبها إذا نفذت الإدارة الخطة قيد النظر.
و أضافت المجلة أن إحدى النقاط قيد المناقشة هي مشاريع من قبل (مؤسسة التنمية الدولية الأمريكية) والتي يمكن أن تحفز استثمارات تصل إلى (5) مليار دولار، كما أوضح متحدث باسم وزارة الخارجية أن الولايات المتحدة قدمت في العام المالي 2019 ما مجموعه (824.3) مليون دولار لمساعدة إثيوبيا، منها (497.3) مليون دولار مساعدات إنسانية، وشدد المسئولون على أنه لن يتم تعليق تمويل المساعدات للاحتياجات الإنسانية.
ذكرت المجلة أن العديد من المسئولين الأمريكيين، الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، أكدوا أن البعض في وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عارضوا وقف المساعدة لإثيوبيا، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالعلاقات المتوترة بالفعل بين أديس أبابا وواشنطن في مرحلة محفوفة بالمخاطر في التحول السياسي في إثيوبيا، حيث أثار مقتل مغني إثيوبي بارز أواخر الشهر الماضي تصاعداً في الاحتجاجات وزاد من حدة التوترات الدينية والعرقية في البلاد، مما يمثل أحد أكبر التحديات حتى الآن لاستقرار البلاد في عهد رئيس الوزراء ” آبي أحمد“، مشيرة إلى أن أحد المسئولين أكد أن الخارجية الأمريكية تسير ببطء فيما يخص طلب وزارة الخزانة .