أهم ما أسفرت عنه تلك المعركة المفتعلة حول فيلم (ريش) أننا رأينا عمليًا سماء الوطن تتسع للجميع، ولم يتم إقصاء أحد من التعبير عن رأيه.
تردد بقوة بعد (ماء النار) الذى ألقاه شريف منير فى وجوه صنّاع الفيلم، متشككًا فى ذمتهم الوطنية، أن هناك غضبًا ما، وأن شريف ينفذ المطلوب، وبعدها تابعنا أحد المحامين يتقدم ببلاغ ضد الفيلم، كما رأينا بعض الشخصيات العامة وهم يتشدقون بنفس الفزاعة، صورة مصر فى الخارج وكيف نسمح بتشويهها؟ تابعت مدير الرقابة فى أحد البرامج يبرئ ساحته من الفيلم، مؤكدًا أن التصريح تم فقط على الورق، وأنه لم يسمح بعد بعرض الفيلم جماهيريًا، حالة الخوف نفسها وصلت لإدارة مهرجان (الجونة) وأصدروا بيانًا مرتعشًا لتبرير موافقتهم على السماح بـ(ريش)، هناك كالعادة من يزايد فى كل شىء، واعتقدوا، ولا أدرى كيف، أن مصر العظيمة من الممكن أن تمارس عنفًا أو حتى استبعادًا ضد فنان أو عمل فنى حصل على موافقة الدولة، قال رأيًا على شريط سينمائى يتناول عائلة فقيرة، وبدأنا نرى صراخًا وعويلًا فى (الميديا)، وأعلنت رأيى فى أكثر من فضائية أن سمعة مصر لا يمكن أن يقترب منها فيلم أو مسلسل أو برنامج، بلد بكل هذا الإرث الحضارى بحكم التاريخ والجغرافيا، ما الذى من الممكن أن يؤثر على سمعته، هذا لو افترضنا أن الفيلم يحمل أى إساءة، رغم أن سلاح التشكيك فى الذمة الوطنية لصناع الفيلم سيطر على المشهد.
ما حدث على أرض الواقع أكد أن القيادة السياسية كانت أكثر رحابة من الآخرين، وبالعكس فتحت الباب لكل الآراء للتعبير بكل حرية.
ليس المطلوب قطعًا الإشادة، كما أن انتقاد عمل فنى حصل على جوائز عالمية مثل (كان) وغيرها حق للجميع، بشرط عدم التشكيك فى الجوائز أو تصدير الإحساس بأن هناك مؤامرة كونية تشارك فيها كل الأطراف، وأن لدينا عملاء فى الداخل على تواصل مع عملاء الخارج.
الجوائز ليست أبدًا قميصًا واقيًا يحمى صانع العمل من توجيه سهام النقد، على شرط أن يظل فى إطاره الفنى، كل جائزة تعبر عن مجموعة تفاعلت معا، وانتهت لنتيجة محددة، لو تغير نصف الأعضاء، الاحتمال وارد جدًا أن تنتهى لنتائج أخرى، على شرط ألا نعتبر أن الجوائز مؤامرة ضد الوطن.
الصورة مع الزمن اتضحت أكثر، تم التعامل مع الأمر بحياد وثقة، والأبواب التى اعتقد البعض أنها موصدة مع سبق الإصرار، باتت متحررة تقبل كل الآراء، فتح الباب للتعبير هو المكسب الكبير من تلك المعركة.
تكتشف أحيانًا أن هناك من يريد أن يصفى حسابات مع زيد أو عبيد، وتحت غطاء (ريش) يبدأ توجيه معركته، ممثل مثلًا لم يعد مطلوبًا، يسأل كيف يُسمح لمن ليسوا أعضاء فى النقابة بممارسة التمثيل، بينما هناك مخضرمون قابعون فى بيوتهم، حسابات أخرى، خارج النص، ورغم ذلك فإن الصورة فى نهاية الأمر طلعت حلوة، عندما تقرأ الجريدة أو تتابع القناة الفضائية وتجد أمامك كل الآراء مطروحة، هذا يعنى أن سماء الوطن اتسعت للجميع، بينما عقول بعض البشر هى الضيقة!!.