أقلام حرة

مقال للكاتب عباس الطرابيلي بعنوان : ( الرئيس .. والصحافة القومية )

نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً للكاتب عباس الطرابيلي تحت عنوان : ( الرئيس .. والصحافة القومية ) ، وفيما يلى أبرز ما تضمنه :

يعرف تاريخ الصحافة – فى مصر والخارج – صحفاً صدرت لكى تصبح لسان الحاكم، المعبر عن أفكاره.. المدافع عن أعماله.. حتى لو كانت خاطئة.. وإذا كان بعضها خرجت عن أسر الحاكم، عندما رأت فى سلوكياته وسياسته ما يجعلها تبتعد عنه، فإننا فى مصر نجد – مثلاً – الأخوين مصطفى وعلى أمين عندما أصدرا صحيفة أخبار اليوم الأسبوعية فى نوفمبر 1944، أخذت طريقاً للهجوم على حزب الوفد وزعيمه النحاس باشا، ومدافعة عن الملك فاروق وحاولت تلميعه، بعد أن تغيرت رؤية الشعب له.. ولذلك نجد أن الأخوين مصطفى وعلى أمين حاولا استمرار تلك السياسة عند إصدار جريدة الأخبار «الجديدة» فى يونيو 1952، بل جعلت الأخبار – مع شقيقتها الكبرى أخبار اليوم – من الملك فاروق: الفدائى الأول. والعربى الأول. المصلح الأول.. ولكنهما سرعان ما عادا إلى صفوف الشعب وبالخطوة السريعة عقب حركة الجيش المباركة «ثورة 23 يوليو» ومن الأيام الأولى.. وعرفا قيمة الانحياز للشعب والابتعاد عن الملك ونظامه.. أى عن السلطان.. ورغم ذلك كان جزاء الأخوين مصطفى وعلى أمين، هو جزاء سنمار فتم اعتقالهما.

ولما رأى جمال عبدالناصر أن الصحافة الموجودة أيامها لن تستطيع أن تعبر عن أفكار النظام الجديد.. رغم أنها أضاءت كل صوابعها شمعاً للثورة.. كان قراره – وباسمه – إنشاء جريدة الجمهورية فى ديسمبر 1953. صحيفة يومية.. ثم إنشاء مجلة التحرير، كمجلة أسبوعية.. بل أصدر مجلة أخرى هى بناء الوطن بعد قليل.. إلى أن فكر عبدالناصر فى تأميم – كل الصحف الكبرى – فى مايو الشهير عام 1960 لتتحول كلها إلى بوق يتحدث عن النظام.. ويسبح بحمده. وتحمل طبول التهويل لكل ما يفعل.. وكان ذلك جريمة كبرى جعلت الصحافة المصرية – بعد أن كانت فى المقدمة – تتوارى عربياً وعالمياً لتتقدم كل صحف لبنان.. التى كانت قبل ذلك من صحافة الدرجة الثالثة.. وليس سراً أن معظم دور الصحف اللبنانية التى اشتهرت بعد ذلك قامت بأموال رسمية مصرية.. ومساعدات سنوية، بل فصلية.. كل ذلك لأن النظام أيامها كان يهوى التطبيل.. حتى لو فى الأخطاء!! ولكن ما مناسبة ذلك الآن؟!

المناسبة هى إصرار الرئيس السيسى على أن يلجأ إلى الصحف القومية لكى يخصها بما يريد من تصريحات، أو معلومات، يريد توصيلها للناس.. وإذا كان هذا من حقه، بحكم أنها ملك للدولة مهما كانت المسميات.. بل إن رؤساء مصر: ناصر والسادات ومبارك كانوا يطلقون على «الأهرام» مثلاً: هذه صحيفتى!! وهم الذين يختارون من يديرها – مع أن الرئيس هو صاحب سياستها التحريرية – واليوم يتحدث الرئيس إلى رؤساء تحرير الصحف القومية الثلاثة.. فهل يعتقد الرئيس السيسى أن هذه الصحف هى الأكثر تأثيراً الآن على الرأى العام.. حتى إن كان بعضها الأكثر توزيعاً.. وإن كنت أشك فى ذلك.. ذلك أننى أرى صحفاً أخرى على الساحة المصرية أكثر تأثيراً – ومن المؤكد أن جريدة «المصرى اليوم» فى مقدمة هذه الصحف الأكثر تأثيراً.. بل الأكثر بالنسبة لعدد قراء النسخة الواحدة.

ونحن هنا لا نهاجم هذه الصحف المسماة قومية.. لأن هذه التسمية تحمل معنى أن غيرها «صحف غير قومية» وهذا خطأ رهيب نرفضه تماماً وربما يلجأ الرئيس السيسى إليها – كما كان يلجأ كل رؤساء مصر من عام 1953 إلى يناير 2011. ونضيف: إذا كان لمعظم نظم الحكم فى العالم الثالث – ونحن منهم – صحف تتحدث عن النظام.. فإنها ليست هى الأكثر تأثيراً.. اللهم إلا إذا كان الرئيس السيسى يعمد هنا ويتعمد دعم هذه الصحف «القومية» حتى تواصل مسيرتها التى تعتمد على التطبيل ودق الطبول.. وتحسين صورة النظام، أى نظام.

زر الذهاب إلى الأعلى