جرت العادة فى الزمن المعاصر أن يكون لكل «ثورة» اسم، وعندما سقط حائط برلين ومعه الاتحاد السوفيتى والحرب الباردة أخذت الثورات أسماء مشتقة من الألوان البرتقالية والبنفسجية، وبعدها عندما نشبت ثورات «الربيع العربى» فإنها أخذت أسماء زهور فكانت ثورة تونس «الياسمين»، ومصر «اللوتس»، وهكذا اختلطت الألوان بالأزهار. انتهت ساعتها تسمية الثورات الكبرى بتواريخها، كما قيل عن الثورة «البلشفية» إنها ثورة «أكتوبر»، أما الثورة المصرية الأولى فكانت «1919»، والثانية «يوليو»، والثالثة وكانت «للتصحيح» فكانت «15 مايو». الموجة الجديدة من التسميات عبرت عن حالة من التفاؤل الشديد، وأكثر من ذلك عن الشباب الذى قيل عنه إنه مثل «الورد» الذى يفتح فى الحدائق والميادين، سواء كانت فى القاهرة أو تونس. «الثورة» الجارية فى لبنان لا تختلف عن كل الثورات، فقد سميتها فى مقال آخر «ثورة الهواتز آب» نسبة إلى الحدث أو القشة التى قصمت ظهر البعير عندما فرضت الحكومة اللبنانية ضريبة على استخدامات «الهواتز» فقامت الثورة. الآن وبعد أكثر من أسبوع على بدء المظاهرات فى لبنان، فإن «ثورة الأرز» تبدو أكثر مناسبة، ففى اليوم الأول كانت الأعلام اللبنانية قليلة (حصرت أربعة فقط فى اليوم الأول) ولكن مع اليوم التالى وانتشار المظاهرات فى كل أنحاء لبنان فإن العلم الوطنى بشجرة الأرز فى منتصفه كانت هى الوحيدة، وبأعداد هائلة، وتواجدت أعلام كبيرة الحجم وبعضها ممتد بامتداد المظاهرات. ومن حيث الجوهر فإن ثورة لبنان تنضم إلى جيل جديد من الثورات يضم تلك التى حدثت فى السودان، وتجرى فى الجزائر والعراق، ويفترض فيهم جميعا أنهم سوف يتعلمون مما جرى فى دول عربية أخرى. وبالفعل فإن هناك درجة من العلم حدثت، فهناك درجة لا بأس بها من التواضع فلا تستخدم كلمة «الثورة» كثيرا، وحل محلها «الانتفاضة» أو «الهبة» أو «الحراك» السياسى. وهناك انتباه من أول الطريق على أن يكون التغيير بعيدا عن الجماعات الأصولية مثل الإخوان المسلمين وانتهازيتهم السياسية المعروفة، بل أن الحقيقة تقول إن الموجة الجارية الآن هى ثورة على الإخوان قبل أى شىء آخر كما حدث فى السودان.
فى لبنان فإن للإخوان أسماء أخرى ربما تختلف فى المذهب، لكنها لا تختلف فى الانغلاق والعنف ومحاولة السيطرة على عملية التغيير. سوف نعود لهذه النقطة، ولكن ما يهمنا هنا هو التأكيد على أن الحلم اللبنانى يقوم على إقامة «الدولة الوطنية» القائمة على «المواطنة» وليس الطائفية الشهيرة عن لبنان، والتى إلى حد كبير قدسوها إلى الدرجة التى جعلت منها طريقا إلى الحرب الأهلية أحيانا عندما يختل التوازن الطائفى لسبب أو آخر، والسلام أحيانا أخرى عندما يكون هناك مجال للتوافق بين الطوائف. ولذلك فإنه عندما يهتف اللبنانيون بأن الشعب يريد «إسقاط النظام» فإنه لا يعنى فى ذلك رئيس الدولة ميشيل عون أو رئيس الوزراء سعد الحريرى أو رئيس مجلس النواب نبيه برى، أو أيا من ممثلى الطوائف المختلفة فى الوزارة أو قيادات الجيش أو سفراء وزارة الخارجية أو القيادات العليا فى الدولة، فإن المعنى هو إسقاط «كلن» من القيادات ومعهم النظام الطائفى وقيام دولة وطنية لا تقوم على «المحاصصة» وإنما على الجدارة والانتماء للهوية اللبنانية. هنا لا ينتهى الأمر بسقوط حسنى مبارك أو معمر القذافى أو على عبدالله صالح أو عبدالعزيز بوتفليقة أو جعفر البشير، وإنما بسقوط نظام التوافق الوطنى الذى جرى بالتوازى مع الدستور اللبنانى عام ١٩٤٦ وصارت له الغلبة منذ هذا التاريخ وعلى أساسه جرى توزيع القيادات اللبنانية التى فشلت فى إعطاء اللبنانيين ما يصبون إليه، وحتى ما كانوا يتفاخرون به من حرية فإنهم اكتشفوا زيفها الشديد، فالحقيقة والواقع بات أن الدولة واقعة تحت الديكتاتورية الطائفية والعسكرية والسياسية لحزب الله.