أقلام حرة

مقال للكاتب عماد جاد بعنوان ( النجاسة .. المعنوية )

نشرت صحيفة الوطن مقالاً للكاتب ” عماد جاد “.. أبرز ما تضمنه ما يلي :

فى الوقت الذى يحرص فيه رئيس الجمهورية ” السيسى ” على تأكيد أن مصر دولة مدنية وأنه يسعى إلى إرساء أسس دولة مدنية ديمقراطية حديثة ، فإن التطورات على الأرض وسير العمل داخل مؤسسات الدولة تتجه عكس ذلك تماماً، فالرئيس يطالب بدولة مواطنة ويؤكد المساواة التامة بين المواطنين، ويدعو إلى مجابهة كل أشكال التمييز، بينما المؤسسة الدينية الأكبر فى البلاد ترفض دعاوى الرئيس لتجديد الفكر الديني .

فى الوقت الذى تعانى فيه البلاد من الإغراق فى حالة التدين الشكلي التى وصلت لدى البعض إلى درجة من درجات الهوس الديني ، فإن هناك من يؤكد أن مشاكل مصر والمجتمع المصرى تنبع بالأساس من غياب الدين وعدم الالتزام بمبادئه ، ومن ثم فالعلاج من وجهة نظرهم هو مزيد من التدين ونشر الفكر الدينى وتغلغل المؤسسات الدينية فى كل نشاطات المجتمع ، وفى هذا السياق جاءت فكرة إنشاء أكشاك الفتوى فى محطات مترو الأنفاق ، ومن خلال الأسئلة أو طلبات الفتوى التى عُرضت على هذا الكشك ومن طبيعة الفتاوى التى قدمت رداً عليها يبدو واضحاً أننا نسير باتجاه مزيد من التدين الشكلي وتديين المجال العام وما يترتب عليه من تمييز بين المواطنين المصريين على أساس الدين والطائفة ، كما تكشف نوعية طلب الفتوى من كشك السادات عن اهتمام المصريين بقضايا تخص التعامل مع المختلف دينياً وطائفياً، فعدد كبير من الأسئلة وطلبات الفتاوى كان بخصوص هل الدكتور ” مجدى يعقوب ” سوف يدخل الجنة أم أن مصيره النار؟ .. وبالطبع كانت الفتوى أنه فى النار .. وهناك سؤال لكشك التحرير عن ( هل المسيحيون غير طاهرين أو أنجاس؟ ) ، وجاءت الفتوى الأزهرية بأنهم ( أنجاس معنوياً ) . والسؤال هنا : ماذا تنتظر من نتائج لفتاوى من هذا النوع؟ هل تساعد على تقديم صورة موضوعية عن شركاء الوطن؟

المواطنون الذين أغلبيتهم الساحقة من أصل عرقى واحد، يجرى التمييز والتفرقة بينهم بفتاوى دينية تصدر أحكاماً عليهم بالنجاسة المعنوية.. ماذا تتوقع من تداعيات مثل هذه الفتاوى على العلاقات بين المواطنين المختلفين دينياً؟ ما تأثير مثل هذه الفتاوى على الأجيال الجديدة التى تنمو على فتوى أن الطفل المسيحي نجس معنوياً، وبالمناسبة ماذا تعنى ( النجاسة المعنوية ) ؟ وكيف تكتسب وبماذا تعالج ؟

لن تتقدم مصر خطوة حقيقية إلى الأمام وتضع قدميها على أول طريق التنمية الشاملة ما لم تنشر الدولة الفكر العلمي والتفكير العقلاني ، وتواجه حالة التدين الشكلي التى وصلت إلى درجة الهوس الديني وباتت تهدد بإحداث شرخ كبير فى جدران الوطن وحائط صده ، وقبل كل ذلك لا بد من تنقية الأجواء داخل مؤسسات الدولة المصرية وإزالة ما بها من تمييز دينى وطائفية .

زر الذهاب إلى الأعلى