نشرت صحيفة الوطن مقالاً للكاتب محمد بسيونى بعنوان : ( حق الشهداء.. والقصاص العادل.. والسلام الدافئ ) ، وجاء كالآتي :
فى عيد الشهيد الذى يوافق 9 مارس من كل عام يستمر المجد للشهداء من العسكريين والمدنيين الذى ضحوا بأغلى ما يملكون من أرواحهم دفاعاً عن الشرف والوطن والكرامة.. وتبقى فى الوجدان الإنسانى ذكراهم العطرة تدل الأجيال على الطريق الصحيح للبناء والاستقرار والسلام.
وفى ذكرى الأبطال نطالب الحكومة بسرعة تنفيذ الحكم النهائى لصالح الأسرى المصريين والصادر من المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار محمد ضيف فى القضية المرفوعة عام 2001 برقم 7691 لسنة 62 بإلزام الحكومة باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتعويض الأسرى المصريين الذين تعرضوا لجرائم بشعة ضد الإنسانية من جيش الصهاينة فى حربى 1956 و1967، والحكم الذى استغرق 16 عاماً فى أروقة التقاضى يُلزم الحكومة باللجوء للمؤسسات الدولية، ومنها الأمم المتحدة بمفوضياتها المختصة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وغيرها، للقصاص ومعاقبة مجرمى الحرب الصهاينة والتعويض للضحايا من الأسرى وأسر الشهداء المصريين.
ويطالب الأسرى بحقوقهم المهدرة مما لحق بهم من تعذيب داخل السجون الصهيونية.. كما قدمت الشهادات الحية والأدلة المادية التى اعتمدت عليها المحكمة، ومنها كتابى الصادر فى 1999 «حق الدم وثائق وشهادات عن جرائم الصهاينة ضد الأسرى المصريين والعرب»، توصيفاً دقيقاً لجرائم المذابح الجماعية سحقاً بجنازير الدبابات والدفن للأحياء والقتل بالرصاص للأسرى والمدنيين العزل من السلاح وانتزاع الأعضاء البشرية وبيعها، وكى أجساد الأسرى بالنجمة السداسية والتجويع والضرب والتعرية، والإجبار على أعمال لخدمة العدو، والقتل للمسجونين فى عتليت والرملة، وإجبار الأسرى على حفر قبورهم بأيديهم ثم قتلهم، وإجبار الأسرى الآخرين على عمل القبور بلا علامات ولا كرامة للميت بالمخالفة لكل الأديان والأعراف الإنسانية.. وتقدر الوثائق وشهود العيان والإحصاءات الرسمية المعلنة أن عدد الشهداء الذين قتلوا غدراً وفى خسة غير مسبوقة يبلغ ما يزيد على 67 ألف ضحية، وعدد الأسرى العائدين 5000 أسير فقط، وجميعهم مصابون بإصابات إعاقية.. والأخطر أن بشاعة الجرائم واضحة ولا يتحملها ضمير أى إنسان من البشر.
وشملت الأدلة المادية أماكن 14 مقبرة جماعية تضم عشرات الآلاف من جثث الضحايا فى سد روافع أبوعجيلة والحسنة وقاعدة العريش الجوية، وبالقرب من شركة سيناء للمنجنيز وبجوار مستشفى رأس سدر ووادى الميدان والزعفرانة ونصرة المراشدة والهمسة وغريف الجمال ورقبة مشره وجبل لبنى وبئر سبع والقصبة ومعسكر البرازيل.. وفى منطقة الحسنة بالذات ما زالت الرمال بلون الدم ويسميها أهلنا فى سيناء الأرض الحرام، وتفوح منها دائماً رائحة العطر ولم يطأها أحد بقدميه رغم مرور أكثر من 50 عاماً على حرب 1967 وأفلام تسجيلية توثيقية نشرها الصليب الأحمر الدولى تظهر بشاعة الجرائم ومخالفتها للقانون الدولى الإنسانى..
وكل الجرائم البشعة محددة المكان والزمان وأسماء الشهداء المغدورين، ومعظم أسماء قاتليهم من الجيش الصهيونى بشهادات القادة الصهاينة أنفسهم، أمثال أرييه بيرو ودانى وولف وشارون زيف وعاموس نئمان وبنيامين أليعازر وراسيل طوبياس وميخائيل بارزوهو وجابريل براون وبنيامين نتنياهو وإيهود باراك وغيرهم، والتى نشرت بكثافة فى أغسطس 1995 ونشرتها الصحف الصهيونية والعربية والعالمية بالتفصيل.. ونص القانون الإسرائيلى رقم 5910 لسنة 1950 على عدم سقوط الجرائم التى حدثت أثناء الحرب العالمية الثانية من النازية ضد اليهود بالتقادم، وتوقيع إسرائيل على اتفاقيات جنيف (القانون الدولى الإنسانى) فى 6 يوليو 1951، والتزامها باحترام وحماية وصيانة حياة وحقوق الأسرى والمدنيين أثناء النزاعات المسلحة، أصبحت المحاكمة العادلة مطلباً دولياً إنسانياً حالياً.. لأن البشرية عندما وضعت القانون الدولى الإنسانى وطبقته فى جرائم الحرب اللا إنسانية بدءاً من محكمتى طوكيو ونورمبرج ومروراً بمحكمة سلوبودان ميسلوفيتش ومجرمى البوسنة وراوندا وبينوشيه مجرم شيلى وغيرهم، كانت البشرية تعاقب مجرمى الحرب سفاحى الإبادة الجماعية لتحقيق العدالة وحفاظاً على الحياة، ونزعاً لمسببات الحروب ونشر السلام الدافئ.
ونرى أن عدم تنفيذ العدالة فى تلك الجرائم المثبتة ينسف كل جهود السلام العالمى ويعصف بالمبادئ والقيم الإنسانية.. والمحاسبة والعقاب للمجرمين والتعويض العادل للأسرى وأسر الشهداء من العسكريين والمدنيين المصريين، هو الطريق الوحيد لنزع الآلام التى لن تندمل أبداً إلا بالعدالة الناجزة.. إن من حق أبناء الشهداء أن يعرفوا مكان مقابرهم، وأن يتحقق لهم العدل ويعود الحق لأصحابه.. وبعد 21 سنة من إثارة القضية وتأخير العدالة يجب أن نسعى جميعاً لتحقيقها حتى تسكن الأرواح وتهدأ القلوب.. والحق لا يضيع أبداً فى الأرض ولا فى السماء.. والله غالب.