نشر موقع البديل مقالاً للكاتب ” محمد عصمت ” .. وفيما يلي ما تضمنه المقال :
- في وقت ننشغل فيه كمصريين ـ رئيسًا وحكومة وشعباً ـ بأزماتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتفاقمة ، وحيرتنا ما بين كوننا دولة لها هيبة كما أكد الرئيس ” السيسي ” منذ عدة أيام ، أم شبه دولة تواجه شبح الإفلاس كما أكد منذ عدة أسابيع ، ألقى وزير الدفاع الإسرائيلي ” ليبرمان ” بقنبلة سياسية في وجوهنا ، في تصريحاته يوم الثلاثاء الماضي لصحيفة ( دي فيلت ) الألمانية التي أكد فيها أن الوقت قد حان لتشكيل تحالف ( خليجي ـ إسرائيلي ) بشكل علني ، على غرار حلف الناتو ، لمواجهة الخطر الإيراني ، بعد أن أدركت هذه الدول العربية ـ بحسب نص كلامه ـ أن طهران هي الخطر الأكبر الذي يواجهها ، وليس إسرائيل أو الصهيونية أو اليهود .
- تصريحات ” ليبرمان ” الكارثية التي مرت علينا في القاهرة مرور الكرام ، دون أن نشعر بخطورتها ، أو يعطيها مسئولونا أدنى اهتمام ، سبقتها تصريحات للرئيس الأمريكي ” ترامب ” خلال مؤتمره الصحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ” نتنياهو ” ، أشار فيها إلى أن هناك مشروعاً سياسياً ضخماً لحل النزاع العربي الإسرائيلي ، ليتفرغ الجميع لمواجهة أخطار إيران ، والذي تزامن مع تسريب صحيفة ( هاآرتس ) الإسرائيلية لخبر اللقاء السري الذي حضره ( الرئيس السيسي / ملك الأردن / رئيس وزراء إسرائيل / وزير الخارجية الأمريكي السابق ) بميناء العقبة الأردني العام الماضي ، بما يشير إلى أن هناك تحركات تجرى في الكواليس لإعداد طبخة سياسية جديدة للمنطقة ، ليتم نسف كل ثوابتها القديمة ، أو بالأحرى إلقاؤها في سلة المهملات .
- هذه الطبخة المسمومة تثير العديد من الملاحظات والتساؤلات التي تتعلق بموقعنا كمصريين في هذه الاستراتيجيات الجديدة التي تعد للمنطقة ، منها ما يتعلق بسقوط نظرية ( مسافة السكة ) التي طرحها ” السيسي ” لبناء نظام أمني بين مصر ودول الخليج ، وهو ما يقدم لإسرائيل كل المبررات لاستمرار الاستيطان وتهويد القدس وطمس القضية الفلسطينية ، وفتح أبواب التجارة مع الدول العربية ، لتكون قائدة الإقليم كله خلال السنوات القليلة المقبلة ، مقابل توفير الحماية للدول العربية من الأخطار الإيرانية المزعومة ، أو على الأقل ، المبالغ فيها .
- هناك أيضاً تساؤلات تتعلق بالرغبات الأمريكية في اقتصار دور مصر على توفير قوات عسكرية لحروب ” ترامب ” ضد الإرهاب والدول الداعمة له ، ورغبات أوروبية أوضحتها زيارة المستشارة الألمانية ” ميركل ” منذ يومين للقاهرة بأن تهتم مصر فقط بمعالجة قضية الهجرة غير الشرعية والملف الليبي الذي يمثل البوابة الأكبر لهذه الهجرات الأفريقية لأوروبا وأن توفر لها بعض الوقت ، بعد ذلك فعليها معالجة ملف الحريات وحقوق الأقباط .. هناك أيضاً ما يتعلق بإصرار نظام الرئيس ” السيسي ” على تسليم جزيرتي ( تيران / صنافير ) للسعودية ، رغم أن ذلك ينزع من مصر ورقة استراتيجية مهمة للسيطرة على خليج العقبة ، ويقدمها لإسرائيل على طبق من ذهب بدون أي مقابل واضح حتى الآن سوى استمرار المساعدات الخليجية للقاهرة .
- أما السؤال الأخطر فهو مدى قبولنا أو حتى قدراتنا على الرفض للمطالب الأمريكية القديمة ـ الجديدة ، التي تصب في صالح إسرائيل ، بضرورة تغيير عقيدة الجيش المصري ، وطرق تسليحه وأساليب تدريباته ومناوراته ، لتوجه كلها لمحاربة الإرهاب ، وليس للتصدي للأطماع الإسرائيلية وخططها العدوانية للتوسع بالأراضي العربية ، والهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية على الإقليم كله .
- ما تخطط له إسرائيل الآن بمباركة واشنطن لمستقبل المنطقة ، أخطر من اتفاقيات سايكس بيكو التي قسمت بمقتضاها فرنسا وبريطانيا الدول العربية كمستعمرات لها .. نحن الآن أمام زلزال سياسي يستهدف إعادة رسم الخريطة السياسية للإقليم ، ربما يشعل اضطرابات شعبية واسعة في كل الدول العربية ، ويثير فتنًا وحروبًا واسعة بين السنة والشيعة ، وقد يعرّض دولًا عربية عديدة لفوضى ومجاعات ، وقد تتدخل أطراف دولية أخرى بخشونة في هذا المشهد البائس للحفاظ على مصالحها ، في مشهد عبثي تبدو فيه الدول العربية وكأنها تغرق في بحر من الرمال المتحركة .
- أمام هذا الطوفان الذي تلوح بوادره في الأفق ، علينا أن نسير عكس السياسات التي نتبعها في مصر حالياً ، بداية من اتباع روشتة صندوق النقد ، مروراً بقمع الحريات العامة ، نهاية بانتهاك روح ونصوص الدستور والتوقف فورًا عن بناء دول الفرد الواحد التي لم يعد لها مكان في عالم الأقوياء الآن .
- مصر التي نريدها هي التي تقدم مبادرات لبناء نظام إقليمي يحفظ الأمن لكل دول المنطقة ، وهي التي تطرح مبادرات لحل ما يسمى بالصراع ( السني ـ الشيعي ) ، وهي التي تتوسط بين إيران ودول الخليج ، وهي التي قبل ذلك كله تقدم نموذجاً ديمقراطياً للحكم ، يفجر طاقات شعبها ، ويظهر معدنه الصلب الأصيل .. لا أن تنتظر الفتات من هذه الطبخة الإسرائيلية الأمريكية المسمومة .