نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً للكاتب ” وجيه وهبة ” بعنوان : ( العزاء والمواطنة والمصارحة ) ، وجاء كالتالي :
بقدر عظم مسؤوليتك وموقعك يكون كظم غيظك.. وضبط تعبيراتك وانفعالاتك.. لا مجال للحماس اللحظى وانفلات العبارات والتعجل فى إصدار القرارات غير المدروسة. تلك القرارات التى لا طائل من ورائها، بل قد تعقد المواقف وتذهب بالأنظار بعيدا عن لب الموضوع وأصل الداء.
فى كل مرة تقع عملية إرهابية كبيرة، ويسقط ضحايا من أبناء مصر مسيحيى العقيدة، يتصل السيد الرئيس ببابا الكنيسة الأرثوذكسية أو يذهب بنفسه إلى المقر البابوى لتقديم «واجب العزاء»!. ومن منظور مفهوم المواطنة، نحن نرى فى ذلك خطأ فادحاً.. بل وتكريسا- عن غير قصد- لمفهوم الطائفية.. تشويش وإرباك لمفهوم «رئيس الجمهورية».. كرمز للوطن، بكل أبنائه، يلتف الجميع حوله فى أوقات الملمات الكبرى، لا حول رجال الدين.. أى دين.
السيد الرئيس.. رئيس كل المصريين بكل مللهم ونحلهم، هو من يجب أن يتلقى العزاء.. يذهب إليه من يذهب ليواسيه فى فقد ضحايا من أبناء الوطن. بل قد يقيم هو نفسه سرادقا أو يحدد مكانا ما لتلقى العزاء، من كل الناس. فلماذا يذهب الرئيس للبابا كلما حدث تفجير فى كنيسة، أو سقط ضحايا من المصريين المسيحيين؟ وهل هذا يعنى أن عليه أن يذهب إلى الأزهر لتقديم واجب العزاء فى حالة سقوط ضحايا من المصريين المسلمين فى أى حادث إرهابى؟ أو فى حالة تفجير أى مسجد جامع؟. أين مفهوم المواطنة؟.
تأكيد وتعزيز مفهوم «المواطنة» هو الركيزة الرئيسية لمقاومة ودحض الإرهاب المتأسلم. ويجب أن يحاط السيد الرئيس بمستشارين ومساعدين على درجة من الكفاءة والوعى بأن مفهوم المواطنة يجب أن يتضمن، وبوضوح، فى الخطاب الرئاسى بكل أنواعه.. فى كل رسالة من الرسائل الرئاسية، بمختلف صورها.. كلمات.. أفعال.. إيماءات.. قرارات.. سياسات، وغير ذلك من صور.
لا تحدثنى عن «المواطنة» فى دولة تقر فى بطاقة تحقيق الشخصية خانة ظاهرة للديانة.
كتبنا فى هذا المكان منذ أكثر من عام، وأكثر من مرة، كتبنا نحذر من التهويمات الهلامية عن «الأشرار» و«الأخيار».. وأنه من الواجب أن نصارح الناس ونشير بجلاء ووضوح لمن هم «الأشرار».. من هم أعداؤنا.. من يقتل أبناءنا.. من يمول القتلة بالمال والسلاح والإعلام.. من يؤويهم ويدافع عنهم فى المحافل الدولية.. لماذا لا نصارح الناس بأن قطر وذميمها.. حاكمها الغر وأذنابه فى حماس وتركيا، هم من وراء سفك دماء أبناء الوطن؟.
منذ أسبوعين، أثناء القمة العربية بالأردن، انسحب رئيس مصر والوفد المرافق له أثناء إلقاء ذميم قطر كلمته التى كان «يلسن» ويحرض فيها على مصر. وكان هذا، فى نظرنا، أضعف الإيمان.. فى وقت نحتاج فيه «لأقوى الإيمان»، بمواقفنا وكرامتنا وكبريائنا، فى مواجهة سفيه الخليج. ومازلنا نرى أننا فى تعاملنا مع دولة قطر وأذنابها نمارس دور المنسحق.. من «على رأسه بطحة».. دون أن نشرح لمواطنينا سببا لذلك. وليس لدينا اعتراض أن نلتزم الصمت والأدب، ونكظم غيظنا تجاه هذه الدولة الفاجرة فى خصومتها، ولكن بشرط أن تفهمونا السبب.. المقابل.. ولنا أن نزن الأمور بميزان المصالح.. ونحكم هل يستحق الأمر أن نخرس، ونبتلع ألسنتنا.. وندوس على كرامتنا، أم لا؟..
الخطاب الشعبوى قد يكون مطلوبا.. أحيانا. قد يخفف من الإحساس بالمعاناة… فالشعوب قد تصبر وتتحمل الجوع والفقر ونتائجه، إذا كان ذلك بسبب الدفاع عن أراضيها وكرامتها وأرواح أبنائها. فعلى سبيل المثال.. قولوا للناس إننا نعانى لأننا رفضنا أن نستذل لحكام صبية غرر قتلة، جهلة، أفسدهم المال والسلطان. نعانى من أجل كرامتنا وكرامة بلدنا مصر. لكن.. لا حياة كريمة ولا كرامة دوليا.. الموقف صعب.
إذا أقررنا مسألة «التجديد» والخطاب الدينى.. فالمصطلح ينسحب أيضا على الدين المسيحى. فهناك ما نراه يستلزم التجديد والاجتهاد. فعلى سبيل المثال، إذا ما أردنا أن نعلى من دولة المواطنة فعلينا أن نتوقف عن استخدام مصطلحات مربكة مثل مصطلح «شعب الكنيسة»، وذلك لما للفظة «شعب» من دلالة ترسخ فى المخيلة والعقل الباطن مع مرور الزمن. وكلمة شعب فى بعض السياقات القديمة يختلف معناها عن معناها فى القاموس السياسى فى العصر الحديث. وما أسهل الوصول إلى كلمة عربية تفى بالمعنى المراد- دينيا- بعيدا عن كلمة «شعب الكنيسة» وما تسببه من ارتباك. والمفترض أن يكون فى مصر شعب واحد.. هو الشعب المصرى.. لا شعوب مختلفة.. شعب الكنيسة وشعب الجامع.. وشعب الأهلى.. وشعب الزمالك… إلخ.
اللغة اصطلاح.. ولا يجب أن تكون عائقا فى سبيل تطوير وتجديد كافة الخطابات، الدينية وغير الدينية. والعبرة بإجلال المعانى، لا فى تقديس الألفاظ والكلمات فى حد ذاتها، ففى ذلك ابتعاد عن روحانية الرسالات، بل وهو نوع من الوثنية.
الذهنية العقائدية الجامدة هى ذهنية واحدة لدى كل ضيقى الأفق من رجال الدين، من كل الأديان. ذهنية تتمسك بأشكال النصوص وألفاظها، لا بجواهر معانيها وأغراضها. وهى ذهنية ضد التطور الطبيعى للحياة. وضد ما يفرزه الواقع من مستجدات، تستلزم الاجتهاد مع النصوص، أو حتى مفارقتها أحيانا.
فى دولة فيها أحزاب دينية- بالمخالفة للدستور- مدللة، وجماعات إسلامية طليقة، تحرض على العنف، فى وضح النهار.. فى مثل تلك دولة لا تصدق أى لغو عن تجديد أو تصحيح أى خطاب دينى أو غير دينى.
قانون «ازدراء الأديان» هو قانون معيب، وبالرغم من ذلك فواقع الأمر يبين أنه قانون يطبق فى حالة «ازدراء الإسلام» فقط. أما لو تم تطبيقه فعليا على كل من يزدرون الأديان الأخرى فسوف نحتاج لبناء عشرات السجون. وربما يتم غلق الأزهر بكل معاهده التعليمية.
هل يستطيع أى مسؤول فى مصر أن يدعى أن الدولة تطبق المساواة على أساس المواطنة؟ هل لا يوجد تمييز وظيفى على أساس دينى؟.
إذا تم وضع خطة لتحجيم الانتشار السرطانى لمعاهد الأزهر ومؤسساته التعليمية، وتحويلها تدريجيا إلى مؤسسات تعليمية تابعة لجامعات ومؤسسات تعليمية مدنية، فقد ننجح فى تحجيم تدريجى للإرهاب المتأسلم، بعد عشرين عاما من الآن.