أقلام حرة

مقال لناجح إبراهيم بعنوان : ( تحية للمرابطين فى القدس )

نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً لناجح إبراهيم بعنوان : ( تحية للمرابطين فى القدس ) ، وجاء كالتالي :

المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين بنته الملائكة واختار الله له موضعه، واختار الله له على مر الأجيال من يرابطون حوله ويدافعون عنه.

والشعب المقدسى من أرقى الشعوب لأن الله اختارهم لجوار بيته العظيم، وجعل القدس والمسجد قبلة للأنبياء والصالحين والأولياء، فقد رحل إليه إبراهيم أبو الأنبياء وحرره داود من العماليق، ودعا سليمان ربه أن يغفر لكل من صلى فيه وقصده (عليهم السلام جميعا).

كما احتضنت القدس والمسجد من قبل آل عمران وزكريا ويحيى ومريم وعيسى عليهم السلام جميعا.

والشعب المقدسى هو نتاج وثمرة كل الأنبياء والصالحين الذين عاشوا فى هذه البلدة المباركة، وهو الذى تصدى بصدره العارى للبطش والغرور الإسرائيلى.

والشعب المقدسى أكبر من أى استقطابات عرقية أو مذهبية أو سياسية تافهة، وهو الذى أعاد الاعتبار بنصره الأخير للعمل السلمى وللتحرك العفوى الجماهيرى الذى ينتصر للحق فى وجه الظلم.

هذا الحراك أقوى أثرا من الجيوش والميليشيات والجماعات المؤدلجة التى تصرخ أو تكفر أو تفجر أو تتاجر بالقضية الفلسطينية فى ميادين السياسة العفنة.

لقد أذل هذا الحراك التلقائى مشروعية وصلف نتنياهو وعصابته، وأسقط شرعية احتلال إسرائيلى للقدس والأقصى.

كان منظر المرابطين المقدسيين وهم يحتفلون بنصرهم على نتنياهو مبهرا، عشرات الآلاف من سكان القدس يكبرون ويهللون وهم يحملون الشموع ليلا، وحولهم فى كل مكان الجنود الإسرائيليون، هذا المنظر وحده كفيل بإقناع كل الإسرائيليين أنهم لا مكان لهم ولا حق لهم فى القدس ولا الأقصى.

وقد قالت صحيفة هاآراتس «لقد أثبت سكان القدس أنهم المسيطرون حقا على المسجد الأقصى وليس الحكومة الإسرائيلية»، ما تنساه إسرائيل دوما أن الحق قديم وأن الحق فوق القوة وأقوى من السلطة الغاشمة، وأن المراهنة دوما على الشعوب وليس على الحكومات، وأن الحكومات تربطها دائرة مصالح الحكم ولعبة الكراسى، ولكن الشعوب الحية ترتبط دوما بحقها فى الحرية والكرامة والدفاع عن أوطانها ومقدساتها.

الذى انتصر فى هذه المعركة هم المرابطون المقدسيون الذين رفضوا الاستسلام للبطش الإسرائيلى ورفضوا تسليم المسجد الأقصى لعصابة نتنياهو، ورابطوا أمام المسجد لا يفارقونه، يصلون أمامه وحوله، لا يصدهم عنه الاختناق بالغازات، ولا الرصاص المطاطى الذى انهال عليهم كالمطر، ولم يرحم أحدا حتى الشيخ عكرمة صبرى الذى رفض المغادرة بعد الإصابة وعاد للرباط حول المسجد.

ملحمة عظيمة صنعها شعب عظيم أعزل أمام آلة حربية إسرائيلية جبارة، حتى رضخ نتنياهو وأزال البوابات الثلاث الجديدة التى كانت ستفصل المسجد فصلا شبه كامل وتؤهل لتهويد المسجد.

سنوات طويلة وإسرائيل تهود القدس، وتطرد المقدسيين ترغيبا وترهيبا، لقد تخاذلت الجامعة العربية تماما عن نصرة المقدسين ولم تفعل لهم شيئا، حتى البيانات الإنشائية المعتادة لم تقم بها، الذى انتصر فى هذه المعركة هو الشعب المقدسى وحده، واليوم يريد البعض أن يسرق انتصاره وينسبه لآخرين.

لقد بلغ الصلف الإسرائيلى مداه حينما قتل حارس السفارة الإسرائيلية بعمان مواطنا أردنيا، ثم احتجت إسرائيل بأنه كان يحمل مفكا وكان ينوى مهاجمة الحارس، فهل بالنوايا تتم التصفية الجسدية ليس فى القدس فقط، ولكن فى بلاد العرب الأخرى التى تظن إسرائيل أنها السيدة لها.

انتفض الشعب الأردنى كله، وشاركته فى هذه الثورة مؤسساته الرسمية ومنها رئيس مجلس النواب الأردنى، ولكن كالعادة يهرب الإسرائيلى بجريمته، كيف هربوا؟ وكيف وصلوا لإسرائيل؟ لا تدرى؟! لو حدث العكس لقامت الدنيا ولم تقعد، وسمعت ترامب وحكومته وأوروبا والدنيا كلها تدين وتشجب، ولكن كلهم عند جرائم إسرائيل يصمتون ولا يتكلمون.

انتفاضة الأردنيين ومظاهراتهم العارمة هى التى هزت الأردن وإسرائيل معا,ظنت إسرائيل أن الشعوب العربية ماتت كحكوماتها ومؤسساتها الرسمية العتيقة، ولكن بقية حياة فى الشعب الفلسطينى أو المقدسى أو الأردنى أربكت الإسرائيليين.

مصيبتنا أن اليمنى لا يريد تحرير القدس ولكن يريد تحرير صنعاء أو عدن من يمنيين آخرين، والسورى يريد تحرير أدلب أو حلب أو دمشق من سوريين آخرين ولا يهمه تحرير القدس والعراقيون سنة وشيعة وأكراد يحارب بعضهم بعضا ويسعد بعضهم لهزيمة بعض، والجولان والقدس على مرمى أبصارهم ومدافعهم وصواريخهم ولكن هكذا أريد للعرب أن يقادوا ولا يقودون، وأن تصنع وتطبخ أولوياتهم وقضاياهم ومشكلاتهم فى عواصم الغرب والشرق، وتحل بأيدى الغرب بطريقة الغرب ولمصلحة الغرب ونحن أشبه بالسكارى.

رغم الضعف والهوان والألم، عيوننا إليك ترحل كل يوم، تدور فى أروقة المعابد، تعانق الكنائس القديمة، وتمسح الحزن عن المساجد، يا ليلة الإسراء، يا درب من مروا إلى السماء، عيوننا إليك ترحل كل يوم، وإننى أصلى، الطفل فى المغارة وأمه مريم، وجهان يبكيان، لأجل من تشردوا، لأجل أطفال بلا منازل، لأجل من دافع واستشهد فى المداخل، واستشهد السلام فى وطن السلام، وسقط العدل على المداخل.

زر الذهاب إلى الأعلى