نشرت صحيفة الأهرام مقالاً لهاني عسل بعنوان : ( انتبهوا .. فإسقاط الدولة يبدأ من هنا ) ، وجاء كالتالي :
أى هذه المشاوير أسوأ وأصعب و«أنكى» من الآخر؟ أى من هذه المشاوير شعرت خلالها برغبة فى الموت أو ارتكاب جناية، أو شعرت بعدها برغبة فى ذبح «عجل» ابتهاجا بما حققته من إنجاز؟
هل هو مشوار استخراج شهادة ميلاد؟ أم مشوار عمل بطاقة رقم قومي؟
هل هو استخراج رخصة القيادة أو تجديدها؟ أم مشوار استخراج رخصة سيارة جديدة؟ أم تجديد رخصة؟
هل هو مشوار عمل مستخرج رسمى من شهادة الثانوية العامة؟ أم مشوار استخراج «قيد عائلي» لزوم التقديم للكليات العسكرية وكلية الشرطة؟ أم مشوار التحويل لابنك أو ابنتك من مدرسة إلى أخرى؟ هل هو مشوار إضافة أو تعديل بياناتك فى مكتب التأمينات؟ أم مشوار عمل توكيل رسمى أو بنكى لأحد أقاربك أو أفراد أسرتك؟ أم مشوار تسجيل عقار أو عقد بيع سيارة فى الشهر العقاري؟
هل هو مشوار صرف معاش من مكتب البريد؟ أم مشوار شراء طابع دمغة أو عمل «حوالة»؟ أم مشوار استخراج شهادة وفاة لأحد الأقارب أو المعارف، لا قدر الله؟
ترى كم يوما يضيع من حياة المصريين فى عمل هذه المشاوير؟ ما بين إجازات وغيابات واعتذارات وتزويغات وتأخيرات، أو انصراف مبكر عن العمل؟ وكم مرة ذهب المواطن إلى عمله أو عاد إلى بيته منهكا عرقانا محبطا «كفرانا» ليس على لسانه إلا عبارات السب واللعن؟
كم مليونا أو مليارا من الجنيهات تهدر فى هذه المشاوير، ما بين مواصلات وانتقالات وتصوير فوتوغرافى وشراء ملفات وملء استمارات وشراء طوابع واستمارات، وأى هبل وكلام فارغ، ودفع «إكراميات» لموظفين أقل ما يقال عنهم إنهم مجموعة من اللصوص؟!
ألا توجد وسيلة آدمية أفضل من هذه «المرمطة» لإنهاء الإجراءات الحكومية؟
ألا يمكن أن ننام ذات يوم ونستيقظ على خبر مفاده أن المواطن المصرى لم يعد يحتاج للذهاب هنا أو هناك لإنهاء أى أوراق رسمية، وإنما الأوراق المطلوبة ستأتيه عند باب بيته، وبعد دفع رسوم الورق والطوابع والتحويلات والذى منه، ودون أى رسوم إضافية، ودون وسايط ومحسوبيات ورشاوى و«تناكة» موظفين لا يساوى بعضهم «تلات تعريفة»؟!
ألا توجد أى آلية توقف طوفان الأختام والتوقيعات المطلوبة على الأوراق وتقديم أصحابها للمحاكمة مثلا؟!
ألا يوجد لدينا شيء اسمه «الحكومة الإليكترونية»؟ ألا يوجد اختراع اسمه «بوابة الحكومة الإليكترونية» يفترض أن يكون متاحا لجميع المواطنين لإنهاء معاملاتهم مع الجهات الرسمية دون الحاجة للارتماء تحت أقدام «اللى يسوى واللى ما يسواش»؟! يحكى لى صديق أنه احتاج أسبوعين كاملين «إجازة» لإنهاء إجراءات تحويل ابنه من مدرسة لأخرى، وللحصول على توقيعات وأختام عشرات الموظفين ووكلاء الوزارة على ورق لا قيمة له ولا فائدة حقيقية منه، سوى أنه وسيلة لكسب المال وإضاعة وقت الناس ودفعهم إلى كراهية عيشتهم وحكومتهم وبلدهم. أليس هذا فسادا؟ أليس هذا إهدارا للمال العام؟
أليس هذا انتهاكا لحقوق الإنسان؟ بل أليس هذا نوعا من الإرهاب؟! يحكى لى صديق آخر كيف توجه لتسجيل عقار يملكه، ففوجيء بالموظف المختص «يكلكع» له المسائل بصورة مستفزة، ويطلب منه «لبن العصفور» لاستكمال الإجراءات، وكأنها إجراءات «دخول الجنة» وعندما قال له صاحبنا إن تسهيل إجراءات تسجيل العقارات يمكن أن يدر دخلا هائلا للدولة يقدر بالمليارات، أجابه الموظف ساخرا «وانت عاوز تدفع فلوس للحكومة ليه»؟!
بالله عليكم، هل هؤلاء هم الذين اختصهم الله بقضاء حوائج الناس، وفقا لما يقوله الحديث الشريف؟ أم أنهم «وسائط تعذيب» للبشر، ومعطلين لحوائجهم؟ لأ والغريب أن كثيرا منهم من حاملى المسابح والسواك، من بتوع «قال الله» و«قال الرسول»؟!
لقد شاهدت – وللأمانة – إجراءات روتينية بطيئة فى دول أخرى، ولكن الحق أن الروتين فى مصر يفوق كل الحدود، ولا وجود له فى أى مكان فى العالم، فهو «مقنن» ومحمى بترسانة قوانين تجعل منه «دولة داخل دولة» بل إمبراطورية، وواضح أن بقاءه على هذا النحو «مصلحة» و«ثروة قومية» لفئات كثيرة، ولكنه فى الوقت نفسه أحد أسباب نقمة المواطن المصرى بصفة عامة على بلده وحكومته، وكراهيته «المسبقة» لكل من يجلس على مقعد أى مسئول، مهما يكن شريفا، بل ومبرر لإصابته بالإحباط والاكتئاب والغضب والسلبية والتطرف، الذين هم الوقود الحقيقى لمخطط إسقاط الدولة!.. اًحافظوا على «الدولة» بإسقاط «دولة الروتين» الآن وليس غدا.