ربما وجدت نفسك في بعض الأحيان صامتاً، ترفض التحدث أو النطق بأي كلمة، تسيطر عليك رغبة شديدة في الصمت، صمت مُطبق، لا تريد سواه ولا تسعى إلى ما هو أكثر منه.
فقط هكذا أن تمضي الساعات وأنت صامت، لا تتحدث إلى أي شخص، ولا حتى نفسك، لكن هل هذا الصمت مؤشر على ما شيء سيء؟ هل هو دليل على وجود مشكلة ما؟ هل هو بداية طريق الاكتئاب؟.
ما الصمت؟
يوجد الكثير من التعريفات للصمت، عرفه علماء اللغة في المعاجم اللغوية بأنه “غياب الصوت أو الضوضاء”، أو “الغياب التام للصوت”، أو “الهدوء التام”.
الصمت في الحب والعلاقة الزوجية
في بعض الأحيان يكون الصمت شكلاً من أشكال تجنب المشاكل في العلاقة العاطفية، يكون أحد الأطراف غير قادرٍ على التعبير عن المشكلة، والتحدث عما يدور بداخله، إما لأنه يشعر أن الأمر غير مُجدٍ، أو لأنه يحاول العثور على الوقت المناسب للتحدث.
وكذلك قد يلجأ الأشخاص إلى الصمت كي يتجنبوا التورط في مشاكل أكبر قد تحدث إذا تكلم مع شريك حياته وناقشه في المشكلة التي يمرون بها، خاصة أن الصمت يبدو أكثر أماناً في هذه المرحلة.
لكن استخدام الصمت في التعامل مع المشاكل ربما يؤدي إلى تفاقم الأزمة، ويتسبب في حدوث مشاكل أكبر، لأن شريك حياتك قد يشعر بأنك تعاقبه بهذه الطريقة، وربما يتساءل عما يحدث، عن حقيقة مشاعرك تجاهه.
الصمت والسيطرة
عندما نشعر برغبة في السيطرة على الناس، فإننا عادة ما نستحضر صورة أشخاص عدوانيين أو عدائيين، ربما يتنمرون على غيرهم ويسيئون إليهم، ونغفل أن أقوى أنواع السيطرة وأشدها على الإطلاق هو الصمت.
عندما لا نشارك أفكارنا مع الآخرين، فإننا غالباً ما نسيطر على ردود أفعالهم وسلوكياتهم وتصرفاتهم إزاءنا، كما أننا بهذه الطريقة سوف نشغل جزءاً كبيراً من حيز تفكيرهم.
عندما نلجأ إلى الصمت، فإننا ننشئ مونولوجاً داخلياً، نسيطر فيه على الآخرين ونجبرهم على التفكير بالطريقة التي ترضينا، ومع الوقت نجدهم يستجيبون لنا بالطريقة التي نريدها ورغبنا فيها منذ البداية.
الصمت والعقاب
في أحيانٍ أخرى نلجأ إلى الصمت كنوع من العقاب، حيث يلجأ أحد الأطراف إلى الصمت لعقاب الطرف الآخر، والإعراب عن غضبه الشديد إزاء موقف أو شيء ما مروا به، لأنه بهذه الصورة يمنع الآخرين من معرفة بما يفكر، وما هي مشاعره، ويحرمهم من إمكانية إجراء حوار حقيقي، ويسلبهم قدرتهم على اتخاذ القرار.
الصمت والاكتئاب
يكون الصمت مُفيداً في أحيان كثيرة، خاصة أنه يمنحنا قدرة على إعادة التفكير فيما يجري لنا، وإعادة صياغة أفكارنا، وإدراك مشاعرنا، ولكنه إذا زاد عن الحد ووصل إلى درجة العزلة فقد يُصيب باليأس والاكتئاب.
الصامت التام والتوقف عن التحدث والإفصاح عما يدور بداخلك من أفكار، وصياغة المشاعر بصوت عالٍ، حتى إذا كنت بمفردك تتحدث إلى نفسك، قد يقود إلى الشعور بالوحدة الشديدة، ما يؤدي بدوره إلى اليأس والاكتئاب.
وجدت دراسات وأبحاث أجريت عن المعاناة والحزن في صمت، أن الأشخاص الذين يبتعدون عن الجميع عندما يشعرون بالحزن ويلزمون الصمت، ويتوقفون عن الإفصاح عما يدور بداخلهم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والمشاكل النفسية الأخرى، مقارنة بين غيرهم الذين يتحدثون ويشاركون من حولهم بما يدور بداخلهم.
كذلك بيّنت دراسات أخرى أن الرجال أكثر عرضة للاصابة بالاضطرابات النفسية المتعلقة بالصمت، خاصة أن نسبة كبيرة منهم تخجل من التحدث عن مشاكلهم، أو ما يشعرون به بالنظر إلى نظرة المجتمع إليهم، وخوفاً من أن يفقدوا احترام آخرين لهم، أو يشعروا بأنهم أقل ذكورية.
تأكد أن استغراقك في الصمت، والتوقف عن التحدث سوف يحول دون حل أي مشكلة، وربما يؤدي هذا إلى استسلامك لما تحمله من أفكار سلبية أو سوداوية.
لهذا السبب عليك أن تعبر عن نفسك دائماً، حاول أن تتحدث عما تفكر فيه، وإذا كنت لا تثق بالأشخاص المحيطين بك، أو لا تجد شخصاً محل ثقة تتحدث إليه، فربما سوف يكون من الأفضل أن تتوجه إلى طبيب نفسي أو معالج بالكلام كي تتحدث إليه عما يجري في رأسك.