قضت المحكمة الدستورية العليا، اليوم السبت، برئاسة المستشار الدكتور حنفي علي جبالي، برفض الدعوى رقم 50 لسنة 37 التي أقيمت طعنًا بعدم دستورية نص البند (5) من الفقرة الثانية والفقرة الأخيرة من المادتين (133)، و(135) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005.
وتنص المادة 133 على أن “يعاقب كل ممول تهـــــــــــرب من أداء الضريبة بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات وبغرامة تعادل مثل الضريبة التى لم يتم أداؤها بموجب هذا القانون أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ويعتبر الممول متهربًا من أداء الضريبة باستعمال عدة طرق وهى إخفاء نشاط أو جزء منه مما يخضع للضريبة، وفى حالة العود يحكم بالحبس والغرامة معًا، وفى جميع الأحوال تعتبر جريمة التهرب من أداء الضريبة جريمة مخلة بالشرف والأمانة”.
وتنص المادة 135 على أن: “يعاقب بغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تجاوز 20 ألف جنيه كل من ارتكب أى من الأفعال الآتية: وهى الامتناع عن تقديم إخطار مزاولة النشاط، الامتناع عن تقديم الإقرار الضريبى، عدم إصدار أو تسليم الفاتورة المنصوص عليها فى الفقرة الثالثة من المادة (78) من هذا القانون، ويعاقب بغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه كل من خالف أحكام المادة (96) فقرة (1).
كما يعاقب بغرامة مقدارها (25%) من المبالغ غير المؤداه كل من امتنع عن تطبيق نظام استقطاع وخصم وتحصيل وتوريد الضريبة فى المواعيد القانونية، ويعاقب بغرامة مقدارها 10 آلاف جنيه كل من خالف أحكام المادتين (78/1)، (83/الفقرة الثالثة)، وفى جميع الأحوال تضاعف الغرامة المنصوص عليها فى الفقرة السابقة فى حالة العود إلى ارتكاب ذات المخالفة خلال 5 سنوات”.
وأقامت المحكمة حكمها على سند من أن من المقرر أن الضريبة بكل صورها، تمثل فى جوهرها عبئًا ماليًّا على المكلفين بها، شأنها فى ذلك شأن غيرها من الأعباء التى انتظمها نص المادة (38) من الدستور، ويتعين بالتالى – وبالنظـــــــر إلى وطأتهـــــــــــــــا وخطورة تكلفتها – أن يكون العدل من منظور اجتماعى، مهيمنًا عليها بمختلف صورها، محددًا الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائيًا عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التى كفلها الدستور للمواطنين جميعًا فى شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها، ومن ثم كان منطقيًا أن يُلزِم الدستور فى المادة (38) منه الدولة بالارتقاء بالنظام الضريبى، وتبنى النظم الحديثة التى تحقق الكفاءة واليسر والاحكام فى تحصيل الضرائب، ونص على أن يحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب والرسوم، وصولاً إلى تحديد المال المحمل بعبئها والمتخذ وعاءً لها، والملتزمين بها الذين تتوافر بالنسبة لهم الواقعة المنشئة للضريبة.
وأشارت : حيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه يجب أن يقتصر العقاب الجنائى على أوجه السلوك التى تضر بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يجوز التسامح مع من يعتدى عليها، ذلك أن القانون الجنائى، وإن اتفق مع غيره من القوانين فى سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، إلا أن هذا القانون يفارقها فى اتخاذه الجزاء الجنائى أداة لحملهم على إتيان الأفعال التى يأمرهم بها، أو التخلى عن تلك التى ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد من منظور اجتماعى ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التى اقتضتها ظروف الجماعة فى مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية.
وقالت المحكمة: إن البين من أحكام القانون 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل أنه بعد أن ألغى القانون رقم 157 لسنة 1981 برمته – أعاد ترتيب أوضاع هذه الضريبة إجرائيًّا وموضوعيًّا، وجاء بنصوص مغايرة للقانون السابق فى تحديده للأفعال المجرمة والعقوبات المقررة لها، نابذًا عقوبة الجناية التى كانت مقررة بمقتضى نص المادة (178)، مستبدلاً بها عقوبة أخف وطأة هى عقوبة الجنحة، وهى الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات، وغرامة تعادل مثل الضريبة التى يتم أداؤها، وأجاز للمحكمة الاكتفاء بالحكم بإحدى هاتين العقوبتين، على ما تقضى به أحكام المادة (133) من ذلك القانون. كما نص صدر الفقرة الأولى من المادة (135) والبندين (1، 2) من هذه الفقرة، من القانون ذاته على معاقبة مرتكب جريمة الامتناع عن تقديم إخطار مزاولة النشاط، والامتناع عن تقديم الإقرار الضريبى، بعقوبة الغرامة فقط التى لا تقل عن ألفى جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه، بما مؤداه أن القانون الجديد قد أتى بعقوبات أخف وطأة من سابقه. هذا فضلاً عن أن جريمة التهرب من أداء الضريبة عن طريق إخفاء النشاط الذى يخضع للضريبة، أو جزء منه، إنما تمثل أخطر جرائم التهرب الضريبى، وكان ما توخاه المشرع من تقرير جزاء لها على النحــــــو المتقدم – منظورًا فى ذلك إلى مداه – هو حمل الممولين على إيفائها مباشرة إلى الخزانة العامة لضمــــــان تحصيلها، والتقليل من تكلفة جبايتها، فلا يتخلون عن توريــــــدها، وإلا كان ردعهم لازمًا حفاظًا على أموال الدولة. ومن ثم يكون ذلك الجزاء قد جاء متناسبًا مع الأفعال التى أثمها المشرع، وبالتالى يكون مبررًا ومفيدًا من وجهة اجتماعية، وهو ما يتفق مع القيم التى ارتضتها الأمم المتحضرة والتى تؤكد بمضمونها رقى حسها، وتكون علامة على نضجها عن طريق تطورها.
جدير بالذكر، أنه متى كان ما تقدم، وكانت النصوص المطعون فيها لا تتعارض مع أى حكم آخر من أحكام الدستور، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.