نشر موقع الشروق الإخباري مقال للكاتب “عماد الدين حسين” بعنوان ” سد النهضة.. هل اقتربنا من الحل؟! ” جاء على النحو الآتي :-
لو حدث اختراق حقيقى فى مفاوضات سد النهضة، فالفضل سوف يكون هذه المرة للتدخل الأمريكى المباشر بناء على طلب الرئيس عبدالفتاح السيسى من الرئيس دونالد ترامب.
وإلى أن نرى النتيجة النهائية للمفاوضات يوم ١٥ يناير المقبل فى واشنطن، فلا نملك إلا الانتظار المشوب بالقلق، لأن الخبرة مع الطرف الإثيوبى يفترض أن تعلمنا ألا نغرق فى التفاؤل حتى نرى النتائج على الأرض.
صباح الأربعاء الماضى نشر الموقع الرسمى لوزارة الخزانة الأمريكية بيانا رسميا جاء فيه أن وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا، وعقب اجتماعات يوم الإثنين فى واشنطن بحضور وزراء الرى قالوا إنهم لاحظوا التقدم المحرز فى الاجتماعات الفنية، وأن الاتجاه الاستراتيجى للاجتماعين التقنيين المقبلين، يجب أن يركزا على تطوير قواعد وإرشادات تقنية لملء وتشغيل سد النهضة، وتحديد ظروف الجفاف وتدابير تخفيف آثار الجفاف التى يتعين اتخاذها. وطبقا للبيان سوف يتم تطبيق هذه القواعد والمبادئ الخاصة بملء وتشغيل السد بواسطة إثيوبيا، مع إمكانية تعديلها من قبل الدول الثلاث وفقا للظروف الهيدرولوجية فى سنة معينة.. ماذا يعنى كل الكلام السابق؟!
الخبراء والمحللون فى هذا الملف يعتقدون أن هناك تطورا مهما يحدث للمرة الأولى وهو أن إثيوبيا قبلت تطوير المسار التفاوضى فى الاتجاه الصحيح، وهو ما نادت به مصر منذ بداية المفاوضات.
أديس أبابا كانت تصر منذ البداية على التفاوض على عدد سنوات الملء، لكن مصر كانت تنادى بربط سنوات الملء والتخزين بحالة الأمطار والجفاف، وبيان واشنطن يشير بوضوح إلى الربط بين قواعد وملء وتشغيل سد النهضة بحجم فيضان النيل الأزرق. هذا شديد الأهمية وإذا تم الاتفاق عليه بصورة نهائية، فسيكون انتصارا إلى حد كبير لوجهة النظر المصرية، أو «أخف الأضرار» التى يمكن تحملها كما أشار الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة.
السؤال: لماذا يتم الاتفاق صراحة على ذلك خلال اجتماع واشنطن أو القاهرة أو أديس أبابا؟!
الإجابة أن تحديد عدة اجتماعات ما بين أديس أبابا والقاهرة والخرطوم تنتهى باجتماع حاسم فى واشنطن فى ١٣ يناير المقبل جعلت كل طرف يؤجل تنازلاته النهائية إلى الاجتماع الأخير فى انتظار أن يرى ماذا سيقدم الطرف الآخر.
لفت نظرى كلام مهم تحدث به عدد من خبراء بارزين فى هذا الملف الحيوى لـ«الشروق» عقب اجتماع واشنطن، ومنهم هانى رسلان ومحمد نصر علام وخالد أبوزيد وعباس شراكى. هم جميعا يؤكدون وجود حل وبوادر تفاؤل، لكنهم يطالبون بالانتظار حتى نرى ماذا سيحدث فعلا.
ما حدث فى واشنطن هو ما كانت ترفضه إثيوبيا، لكن هناك الكثير الذى ينبغى أن يتم حسمه والاتفاق عليه.
على سبيل المثال نحتاج إلى تركيز من المفاوضين المصريين فى الأيام المقبلة لأن هذا الاتفاق سيؤثر على الأجيال المقبلة ربما لمئات السنين. المؤكد أن إثيوبيا ستلجأ لكل الحيل للتهرب من الاستحقاقات. صار معروفا أن مصر طلبت تمرير ٤٠ مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق خلال سنوات الملء الأولى، وإثيوبيا تعرض ٣١ مليار متر فقط.
مصر تطلب أيضا ربط تخزين بحيرة سد النهضة بمنسوب السد العالى، وهو ما ترفضه إثيوبيا، لكن بيان واشنطن الأخير يقول إن تشددها فى هذه النقطة بدأ يلين.
أحد الخبراء اقترح أن يتم تشغيل لجنة فنية دائمة من ستة مهندسين من الدول الثلاث يحددون حالة تخزين وكمية المياه المنصرفة طبقا للظروف، وبما يراعى حالة الأمطار والسدود فى السودان والسد العالى، لتحقيق الاستفادة القصوى لإثيوبيا من توليد الكهرباء، وضمان أقل ضرر على مصر والسودان.
الوضع الآن جيد إلى حد كبير مقارنة بحالة اليأس والتشاؤم قبل اجتماعات واشنطن. لغة البيان الأخير توحى بأجواء تفاؤل خصوصا فى ظل الإشراف المباشر من وزير الخزانة ستيفن منوتشين ورئيس البنك الدولى ديفيد مالباس، بناء على طلب ترامب، لكن مرة أخرى علينا ألا نعتقد أن الأمر انتهى. وأن نتحلى بأكبر قدر من التركيز، واستخدام كل الأوراق المتاحة لدينا.
ما يزال الطريق طويلا، وعلينا أن نتوقع عقبات تظهر فى أى لحظة، لأنه وإذا كان هناك البعض يريد أن يساعدنا فى حل هذه الأزمة حبا وصداقة، فهناك من يريد ثمنا للمساعدة، والأسوأ أن هناك من يتربص ويريد ألا يتم الوصول لاتفاق من الأساس، كى تظل مصر منشغلة فقط بهذا الملف وتترك بقية ملفات المنطقة.