فوجئ المصريون بإعلان المملكة العربية السعودية عن طريق ولي ولي العهد الأمير” محمد بن سلمان ” وزير الدفاع السعودي في مؤتمر صحفي في (14) ديسمبر عن تشكيل تحالف إسلامي عسكري ، يضم (34) دولة هي (18) دولة عربية ، و(11) دولة إفريقية غير عربية ، و(5) دول آسيوية غير عربية ، وتأتي المفاجأة للمصريين عن أن طريقة الإعلان وأسلوب الإعلان يشير إلى أن المملكة العربية السعودية هي التي ستتولى قيادة التحالف عسكرياً رغم وجود مصر ضمن التحالف .. مع القناعة الكاملة للمصريين بفارق الخبرة العسكرية بين الدولتين في المجال والتاريخ العسكري .
وحتى يتضح المشهد يجب أن نتذكر قليلاً الأيام السابقة على الإعلان ، وما تم فيه ، وهي كالآتي :
1 – إعلان وقف إطلاق النار في اليمن وبداية تطبيقه دون تحقيق نجاح حقيقي على الأرض يؤكد هزيمة الحوثيين واستعادة الدولة ، مع الوضع في الاعتبار الخسائر البشرية التي حدثت لكل من القوات السعودية الشقيقة والإمارات العربية الشقيقة ، وهو الذي أصاب الأمة العربية بالحزن الشديد ، فضلاً عن الخسائر البشرية اليومية التي تحدث للشعب اليمني الشقيق ، والدمار الكامل للبنية التحتية .
2 – إعلان مسئول اللجنة العسكرية في الكونجرس السيناتور ” جون ماكين ” الأسبوع الماضي عن ضرورة توفير (100) ألف جندي معظمهم من الدول السنية
للتصدي لتنظيم داعش في سوريا ، وتنفيذ عملية برية لهزيمة داعش نهائياً .
3 – تصريحات مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لصحيفة ( نيويورك تايمز ) بضرورة إقامة دولة سنية معتدلة في المناطق الجغرافية التي يتم تحريرها من داعش في سوريا والعراق .
4 – تأكيد وزير الخارجية السعودي أن السعودية ودولاً خليجية أخرى تبحث إرسال قوات برية خاصة إلى سوريا في إطار الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش .
وعلى الجانب الآخر لابد أن نتذكر مجموعة من الحقائق تمت على الأرض ، وقد تكون هي السبب الرئيسي الذي دفع في اتجاه هذا التحالف :
1 – نجاح الطيران الروسي في توجيه ضربات حاسمة وحازمة لداعش على الأرض ، ونجاح القوات المسلحة السورية في تحقيق نجاح على الأرض لم يتم تحقيقه منذ سنوات .
2 – التواجد الروسي العسكري الكثيف في سوريا والبحر الأبيض المتوسط سبَّب ازعاجاً غير عادي للغرب خاصة مع استخدام الروس للأسلحة الاستراتيجية ( الصواريخ الباليستية ) في ضرب مواقع لداعش في سوريا والعراق ، وهو ما ينذر بتواجد طويل الأمد للدب الروسي في أخطر مناطق البترول في الشرق الأوسط ، وهو ما يقلق الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون .
مع كل القراءات السابقة ، وقراءات مشهد إعلان التحالف والذي لم يتم التنويه عنه مسبقاً أو لم يتم الإعلان عنه عن طريق منظمة الدول الإسلامية أو مؤتمر للحلفاء ، لشرح طبيعة التحالف وأهدافه ، والغرض منه ، وحجم القوات المشاركة ، بل تم الإعلان عنه قبل (24) ساعة من زيارة وزير الدفاع السعودي للقاهرة ، وأعقبه إعلان حزمة من المساعدات السعودية للقاهرة بزيادة الاستثمارات السعودية إلى (30) مليار ريال ، وتوفير المنتجات البترولية لمصر خلال الخمس سنوات القادمة ، ودعم حركة قناة السويس عن طريق السفن السعودية ، وهذا ما تم الإعلان عنه فقط ، وقد يكون هناك شق عسكري لم يتم الإعلان عنه .. مع كل ما سبق عرضه يتبقى السؤال الأهم والأصعب في المعادلة : ما هو الرد المصري ؟
1 – الإعلان السعودي يعني موافقة الجانب المصري على المشاركة في التحالف ، وإعلان الدعم الاقتصادي لا يعني رشوة سياسية لمصر ، وإلا كانت مصر قد وافقت على المشاركة البرية في اليمن ، وكان الدعم وقتها سيتضاعف ، ولا يخفى على أحد أن السعودية والإمارات قد شعرتا بحزن وغصة في الحلق ، لعدم مشاركة الجيش المصري .
2 – إن خطر الإرهاب بات حقيقياً على كل دول المنطقة خاصة مع نجاح ما يسمى بتنظيم داعش في الاستيلاء على مساحات ليست صغيرة في كل من العراق وسوريا ، وأنه بات يشكل خطراً كبيراً على الأمة العربية ، وخير وسيلة للدفاع هو الهجوم .
3 – لا يعني موافقة مصر على المشاركة والتحالف أنها سترسل قوات برية إلى العراق وسوريا ، وإنما قد يكون هناك دعم عسكري بأنواع أخرى من القوات ، مثل : القوات الجوية والبحرية والقوات الخاصة خفيفة الحركة ، لتنفيذ عمليات خاطفة محدودة ومحددة .
4 – لابد للمملكة العربية السعودية أن توضح للجانب المصري طبيعة التواجد القطري التركي في التحالف ، وما هو دور كل منهما ، حيث إن مصر لن تأمن لهما في ظل ما يلي :
أ – قيام تركيا بإنشاء قاعدة عسكرية في قطر قوامها (3000) جندي تركي من مختلف الأسلحة ، للدفاع عن قطر ، وغير معروف الدفاع عنها ضد من ؟! .. هذا لو وضعنا في الاعتبار وجود قاعدة ( العديد ) الأمريكية الجوية ، وهي أكبر قوة أمريكية في الشرق الأوسط ، وبها أكثر من (10) آلاف جندي أمريكي .
ب – كيف ستتعامل مصر مع قطر وتركيا في ظل الخلاف السياسي الحاد بينهم ، وعدم الاعتراف من جانبهما بالقيادة المصرية ، وعدم إعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية ، بل وتقديم كامل الدعم لها .
جـ- لو فرض أن مصر ضمن التحالف ، هل من الأجدى أن تحارب داعش في كل من سوريا والعراق ، أو أن تحاربه في ليبيا ، وهو التهديد الذي بات قريباً جداً من حدود مصر الغربية ، رغم أن التنظيم حتى هذه اللحظة يتواجد في المناطق الشرقية ، مع الأخذ في الاعتبار أنه قد بدأ في الزحف لوسط ليبيا ، وتحديداً إلى مدينة أجدابيا ، للسيطرة على مصافي النفط ، وهو ما فعله تقريباً في كل من العراق وسوريا ، لتوفير التمويل اللازم ، ثم يبدأ في تنفيذ مخططاته نحو مصر .
د – في حال بدأت القوات السنية في مهاجمة داعش ، ما هو موقف الدول الشيعية في ظل استبعادها من المعادلة ؟ ، وعلى رأسها العراق وإيران ، وهل هذه إش
ارة للعراق بالتقسيم إلى ثلاث دول شيعية وسنية وأكراد ، وهو هدف الغرب الذي يسعى إليه بقوة .
هـ- التحالف يضم دولاً لا ناقة لها ولا جمل ، ولا قِبل لها بالتحالفات العسكرية ، إما لظروفها الداخلية ، أو لتواضع قواتها المسلحة ، وضعف إمكانياتها ، فلم يتضح بعد سبب الإعلان عن وجودها .
و – ما هو مصير القوة العربية المشتركة ، ولماذا يتم الإعلان عن هذا التحالف الآن ؟ ، رغم أن التحالف معني بالقتال داخل دول عربية يتواجد فيها التنظيم ، وكان الأحرى أن يضم التحالف قوات عربية ، وليست إسلامية ، لأن القضية هي عربية في الأساس ، والتنظيم يحتل أرضاً عربية ، وكان يجب تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك بطلب عراقي وسوري يلقى الدعم والتأييد من كل الدول العربية .
من كل ما سبق سنخلص إلى أن الموقف المصري سيكون طارحاً لكل الأسئلة السابقة في الأيام القادمة ، وحينما تَرِد الإجابات سيكون هناك تحديد لشكل المشاركة المصرية ، وإن لم ترد الإجابات التي تريدها مصر ستكون المشاركة معنوية ، وقد تكون عسكرية محدودة ، حتى لو غضب الأشقاء ، لأنه لا يمكن أن يحارب المقاتل وجواره مقاتل آخر يعرف أنه عدوه ، وأنه ينتهز الفرصة لقتله .
ولأن عقيدة الجيش المصري هي حماية الأرض والعرض ضد المعتدين وهو ما ينذر بفشل التحالف قبل أن يبدأ .. أسئلة كثيرة ليست لها إجابات من الأطراف الأخرى ، ولكن جميع الإجابات النموذجية تعرفها مصر ، وهذا ما يشير إلى صعوبة التنفيذ على أرض الواقع .