الرجل الحساس في العالم العربي.. هل اللطف ينتقص من رجولته؟الرجل الحساس في المجتمعات العربية مفهوم الرجولة فضفاض ويتسع لكل الصفاتالرجل الحساس يقرأ ويفهم مشاعر محيطه تحديات عديدة تواجهه نظريا هي لا تنتقص من رجوليته عمليا المجتمع يضع معايير مغلوطة للرجولة وعليه فهو يعتبر بانه ناقص رجولة معاناة الرجل الحساس دائمة
يمكن القول إننا كشعوب عربية نختار صفاتنا بعدائية بالغة، ونلصق بما يفترض أنها صفات جميلة أبشع النعوت والتفسيرات.
مفهوم الرجولة في العالم العربي فضفاض جداً، ويتم تحميله أكثر مما يجب. الصورة الأكثر التصاقاً بمفهوم الرجولة هو “سي السيد”، ملك القساوة والتناقضات؛ فهو أب قاسٍ وزوج ديكتاتوري، صاحب لسان سليط، خائن وصاحب معايير مزدوجة، يعاشر ما يشتهي من النساء، ثم يحمل لواء العفة حين يعود إلى المنزل.
بطبيعة الحال هي رمزية متطرفة، ولكن الرجل العربي هو الذي لا يبكي ولا يتحدث عن مشاعره، والذي يملك الشجاعة والشهامة والنخوة، سريع الغضب، محافظ على الشرف. والشرف أيضاً مفهوم فضفاض يتم حشر فيه ما له علاقة بالشرف وما لا علاقه له به.
وسط كل هذه «المعايير» قد يتساءل الواحد منا: ماذا لو كان الرجل حساساً؟ فكيف سيكون بإمكانه العيش وسط كل هذا؟
من هو الرجل الحساس؟
حساسية الرجل يمكنها أن تكون نعمة ومن نقاط القوة. فهذه النوعية تملك قدرة عالية على التماهي مع الآخرين، وبالتالي قراءة مشاعرهم وفهمهم بشكل أفضل. هم أشبه بإسفنجة تمتص كل المعلومات والمشاعر المحيطة بها. التحدي الذي يواجهه هؤلاء على صعيد شخصي هو القدرة على التعامل مع هذا الكم من المشاعر من دون أن يتأثروا بها بشكل مباشر.
بعض المشاعر يكون تأثيرها واضحاً جداً أحياناً، وعليه يقوم الشخص بمحاولة لحماية نفسه من تأثيرها السلبي، ولكن البعض الآخر ليس كذلك، فمثلاً الشخص الحساس سيتأثر بمزاج مديره العكر رغم أنه لم يتعامل معه طوال اليوم، ولكن وبمجرد تواجده معه في ذلك المكان، وبسبب قدرته العالية على فهم وقراءة مشاعر الآخرين فهو يتأثر بها أكثر من غيره.
وعليه فإن الرجل الحساس هو الشخص الذي يتأثر وبشكل سريع وقوي بالمواقف المحيطة به سواء كانت تتعلق به شخصياً أو لا تتعلق به، بالإضافة إلى القدرة على التماهي مع الآخرين وقراءة مشاعرهم وحتى الشعور بألمهم وفرحهم وغيره.
في المقابل هو رجل لبق يلتزم بأدبيات الحوار والحديث؛ لأنه يعيش حياته وفق مبدأ عامل كما تحب أن تعامل، فلا ينتقد ولا يجرح ولا يؤذي.
رغم كونه دقيق الملاحظة بشكل كبير، ولكنه يعاني قبل حسم القرارات؛ لأنه متردد كما أنه يتعرض للاستغلال أكثر من غيره بحكم أنه لا يرفض لأحدهم طلباً؛ خوفاً من جرح مشاعرهم.
كتب سحر عربية أثارت الجدل.. «يمتنع أصحاب القلوب الضعيفة»
تحديات أن يكون الرجل من النوع الحساس
بغض النظر عما إن كنا نتحدث عن مجتمعات عربية أو غربية، الرجل الحساس أينما كان، ومهما كانت جنسيته يواجه مجموعة من التحديات. فهو في نهاية المطاف عليه أن يتصرف، وأن يرتقي إلى معايير الذكورة والرجولة، بينما يصارع في الوقت عينه عدم قدرته على التأقلم مع المشاعر التي يختبرها، والتي لا يمكنه التعبير عنها كما يشاء.
الرجل الحساس هو ذلك الذي يفهم ويشعر بمحيطه، ولكنه ملزم بكبت كل تلك المشاعر؛ لأن محيطه لا يتقبل حساسيته، وعليه فهو يفصل مشاعره عن أفكاره وتصرفاته، ومع الوقت تصبح آلية تأقلم تتم بشكل غير واعٍ. ولكن ذلك لا يعني أنه لم يعد حساساً على عكس ما يحصل هنا وهو أنه يجعل مشاعره تتراكم، وهكذا يصبح أكثر غضباً وتوتراً حتى يصل إلى مرحلة الانهيار.
هل ينتقص ذلك من رجولته؟
من الناحية النظرية كلا. ولكن من الناحية «العملية» نعم. والمقصود هنا بالناحية العملية المعايير المفروضة ضمن المجتمعات العربية، والتي تجعل تطبيق ما هو مثالي نظرياً شبه مستحيل؛ لأنه لن يتم تقبله.
فلنبدأ بالناحية النظرية، الرجل الحساس الذي يبكي مثلاً من الناحية النظرية هو رجل شجاع، ودموعه هذه غالية؛ لأنها نادرة، بالإضافة إلى كونها ردة فعل فطرية فسيولوجية، كما أنها ظاهرة إنسانية.
لكن من الناحية العملية بكاء الرجل مرفوض ودليل ضعف، حتى أن البعض يكابر ويمنع نفسه من البكاء أمام الآخرين، حتى ولو كان في جنازة أحد أفراد عائلته. وعليه على أرض الواقع بكاء الرجل أسوأ ما يمكن للرجل فعله؛ لأن وفق مفهوم الرجولة الرجل لا يبكي.
من الناحية النظرية الرجولة تعني أن يكون «جنتلمان».. أي رجل لبق مؤدب يتعامل مع النساء بأخلاق عالية جداً . ولكن من الناحية العملية وفي مجتمعاتنا العربية هكذا نوعية من الرجال تسمى «بالخروف».
الرجل الحساس الخجول يتعامل مع مواقفه الحياتية بتردد؛ لأنه يخاف أن يجرح مشاعر غيره، وعليه فهو قبل أن يتصرف يضع نفسه مكانهم، ولا يقدم على أي تصرف فظ، وستجده يهب لمساعدة أي ضعيف أو مظلوم؛ لأنه لا يمكنه أن يرى أي شخص يعاني. وهذه الصفات تختصر صفتي الشهامة والنخوة. وهاتان الصفتان كما هو معروف «ركن» من أركان الرجولة.
ولكن الواقع لا يتعامل مع هذه الصفات بهذه الطريقة، بل يعتبر الخجل دليل ضعف شخصية، والتصرفات المؤدبة في خانة الشخصية المخنثة، فالرجل يجب أن يكون صاخباً، مثيراً للمشاكل ولا يحسب حساباً لأحد.
الصورة باختصار هي أن حساسية الرجل لا تنتقص من رجولته من الناحية النظرية، ولكن بما أن المجتمعات تملك وجهات نظر مغايرة كلياً لما هي عليه الرجولة، فإنها بالنسبة إلى هذه المجتمعات تنتقص من الرجولة.