نشر موقع الشروق مقال للكاتب عماد الدين حسين بعنوان ” بطاقة تموينية عليها 139 فردا! ” جاء أبرز مافيه الآتي :-
نسمع كلمات وتصريحات جيدة وطيبة من وزير التموين د. على المصيلحى وكبار مسئولى الوزارة عن عملية تنقية بطاقات التموين، بحيث يتم حذف كل غير المستحقين، لكن على أرض الواقع، فإن الصورة ليست وردية إلى حد ما، والأسباب متعددة.
السطور التالية حصيلة رؤية زملاء صحفيين ومواطنين من خلال احتكاكهم على الأرض ببطاقات التموين وما يحدث فيها.
الحكومة تراهن على حذف عشرة ملايين مواطن من البطاقات، هم المسافرون، إضافة إلى المتوفين. ثم غير المستحقين خصوصا الذين حصلوا على بطاقات ببيانات خاطئة.
القصص والحكايات عن البيانات الخاطئة أو المزورة أو المضروبة، لا تعد ولا تحصى، بطاقة أحد الأشخاص عليها ١٣٩ فردا؟! وقد يسأل البعض: وكيف يمكن لشخص أن يسجل هذا العدد على بطاقة واحدة؟! شخصيا لم أكن أصدق هذه الحكاية، لولا أن قائلها أحد المطلعين بدقة على هذا الأمر. هو يقول إنه يكفى وجود موظف بالوزارة، أو أى جهة ذات صلة، معدوم الضمير يدخل بيانات خاطئة على «السيستم»، مقابل حصوله على عمولة أو إكرامية أو رشوة صغيرة كانت أم كبيرة.
خلال عملية تنقية البطاقات تبين وجود كثيرين لا يستحقون. لكن الأخطر هو وجود ما يشبه بيزنس أو تجارة لبطاقات التموين. الذى يساعد على ذلك أن هناك أكثر من جهة تشرف وتتعامل مع الموضوع، هناك طبعا وزارة التموين، وهناك وزارة الإنتاج الحربى ثم بعض شركات البيانات ووزارة الطيران من خلال «سيستم البيانات» وبعض الجهات الرقابية.
فى بعض الأحيان يجد المواطن نفسه حائرا بين هذه الجهات، طبعا الفكرة أو الهدف من وراء تعدد هذه الجهات كان ضمان أكبر قدر من المحاسبة والشفافية وضمان التطبيق السليم، لكن للأسف، ومع الفساد الموجود فى الجهاز الإدارى للحكومة، فإن تعدد الجهات، يزيد أحيانا من فرص تعذيب المواطنين، أو وجود أهواء شخصية والأخطر فتح باب كبير للفساد، خصوصا أن الحصول على بطاقة تموين فى هذه الأيام الصعبة اقتصاديا، صار أمرا شديد الأهمية.
هناك ١٣ ألف مكتب تموين فى محافظات الجمهورية، يذهب المواطن إلى الوزارة فيقول له الموظف، لا اذهب إلى الوزارة الأخرى، وهناك مثلا يقوم الموظف الفاسد بنزع ورقة أو إيصال سداد المواطن لدمغة بعشرين جنيها ويعطيها لآخر، ثم يلقى بالملف بأكمله بعيدا.
هناك أيضا مشاكل كثيرة فى السيستم الإلكترونى للجهات المشرفة أو المتداخلة فى إصدار بطاقات التموين، وأحيانا تقوم باستيراد أجهزة رخيصة ورديئة.
هناك أيضا مشكلة حقيقية فى الاعتماد على مؤشر مثل استهلاك الكهرباء لتحديد المستحق من غير المستحق. هذا المؤشر متغير، وفى مرات كثيرة تكون القراءة عشوائية، أو متراكمة، وبالتالى قد يتم إبعاد المواطن المستحق لسبب بسيط أن قارئ عدادات الكهرباء، لم يذهب، للمنزل لعدة أشهر، أو حاسب المواطن على أسس غير صحيحة ووضعه فى شريحة أعلى، وتكون النتيجة إبعاد هذا المواطن، ثم إن الذين يلتزمون ويسددون فواتيرهم يدفعون أحيانا فاتورة الذين سرقوا التيار ولم يدفعوا شيئا!.
الحل العبقرى الذى سوف يحل معظم هذه المشاكل أو كلها، أن يكون لدينا سيستم بيانات كامل للجميع. المفروض أن قاعدة بيانات الوزارات المختلفة تتوحد فى قاعدة واحدة تكون متاحة لوزارة التموين أو لأى وزارة أخرى تحتاجها. بمعنى أنه بدلا من «مرمطة وتعذيب» المواطنين بإحضار أوراق متعددة مثل الرقم القومى أو شهادة الميلاد، فالحل هو وجود رقم قومى يشبه رقم الضمان الاجتماعى الموجود فى أمريكا. فى هذا الرقم تكون هناك كل البيانات الأساسية، وبالتالى بمجرد أن يفتح موظف التموين هذا الرقم سوف يعرف فورا إذا كان هذا المواطن يستحق الدعم أم لا؟!
أكاد أعتقد أن كل الفاسدين هم الذين يحاربون إنجاز هذا السيستم الشامل، لأنه ببساطة سوف يكشفهم ويلغى مهنتهم أو يحد منها كثيرا.
الفاسدون الصغار فى الجهاز الإدارى للدولة هم أخطر علىى البلد من الإرهابيين، هم مثل السوس الذى ينخر فى جسد المجتمع بأكمله. هؤلاء هم من جعلوا الفساد مقبولا اجتماعيا بحجج مختلفة.
السؤال كيف يمكن القضاء على هؤلاء الفاسدين أو على الأقل الحد من تأثيرهم السلبى؟!