المشاريع الناجحة تبدأ بفكرة أو حل إن صحّ التعبير لمُعالجة مُشكلة يُعاني منها المُجتمع أيًا كانت، فتطبيق واتس اب على سبيل المثال أتى للتخلّص من الاعتماد على الرسائل النصية القصيرة SMS والاستفادة من الإنترنت بإرسال رسائل مجانية فوريًا.
وما يُميّز صاحب فكرة عن الآخر هو إمكانية تحويل الفكرة إلى مُنتج ملموس على أرض الواقع وعدم انتظار مُعجرة لتحويلها بشكل آلي، فجملة ” لقد جاءت على بالي هذه الفكرة من قبل ” لن تكفي لتنقلك إلى عالم النجاح والشهرة.
إيفان سبيقل Evan Spiegel يُعتبر أصغر ملياردير في العالم بثروة تُقدّر بـ 2.1 مليار دولار أمريكي وهو بعمر الـ 25 سنة تقريبًا، وهو أحد مُؤسسي تطبيق سناب شات SnapChat الشهير.
وسواءً كُنت من مُحبي تطبيقات المحادثة الفورية وتبادل الوسائط أو من كارهيها، فبالتأكيد سمعت عن تطبيق سناب شات أو قُمت بتجربته لمرة واحدة على الأقل، على الرغم من أنه ليس من التطبيقات التي تُلائم جميع الأعمار.
سناب شات باختصار هو تطبيق لتبادل الصور، والفيديو، بالإضافة إلى الرسائل النصيّة والرسومات التي تقوم بحذف نفسها بشكل آلي بعد 10 ثواني على الأكثر، حيث يُمكن للمستخدم تحديد المدّة الزمنية لمشاهدة الرسالة المُرسلة، وبعد إنقضاء هذه المدّة تختفي الرسالة من أجهزة المُستخدمين بالإضافة إلى خوادم الشركة، حسبما تزعم الشركة نفسها.
بدأت قصّة سناب شات بجملة قالها ريجي براون Reggie Brown، أحد مُؤسسي التطبيق وصديق إيفان من جامعة ستانفورد، حيث قال إنه يتمنى أن تختفي الصور التي يقوم بإرسالها إلى صديقته!
هذه الجملة لم تمر مُرور الكرام أمام إيفان الذي قام من مكانه وقال إن هذه الجملة تُساوي فكرة بمليون دولار، لكن إيفان كان مُخطئ تمامًا، فهذه الفكرة تُقدر اليوم بـ 19 مليار دولار أمريكي.
تنبّه إيفان إلى قوّة فكرة ريجي ورغب بتحويلها إلى تطبيق لتبادل الصور التي تختفي بعد فترة من الزمن، وبسبب نقص خبرتهم التقنية استعانوا بـ بوبي مورفي Bobby Murphy الذي قام ببرمجة التطبيق بشكل كامل.
خلال صيف عام 2011 قام الثلاثة بالعمل على التطبيق الذي حمل في ذلك الوقت اسم Pictaboo، حيث قام إيفان برسم شعار التطبيق الذي يُستخدم حتى يومنا هذا وشغل في نفس الوقت منصب الرئيس التنفيذي، وشغل بوبي منصب المُدير المسؤول عن الجانب التقني CTO، وأخيرًا ريجي الذي شغل منصب مُدير التسويق في الشركة.
ومع نهاية ذلك الصيف لم يُكتب النجاح للتطبيق الذي حصل على 127 مُستخدم فقط، وما زاد الأمور تعقيدًا، هو الخلاف الذي حصل بين إيفان وريجي حول ترتيب ظهور الأسماء في براءة الاختراع، بالإضافة إلى مُطالبة ريجي بالحصول حصّة أكبر تصل إلى 30% لأنه صاحب الفكرة، وهو ما أدى إلى مشاكل كثيرة أدّت إلى طرده من الشركة !
لم يقف إيفان وبوبي مكتوفي الأيدي بعد هذه المشاكل وقاموا بتغيير اسم التطبيق إلى سناب شات SnapChat وقاموا بنشره بين أصدقائهم في فترة صادفت بدء العام الدراسي الجديد ليحصلوا على 1000 مُستخدم في ذلك الوقت.
وبعد 6 أشهر تقريبًا وتحديدًا في ربيع عام 2012 نجح التطبيق في الوصول إلى 100 ألف مُستخدم وهو رقم مُمتاز لشباب في عمر الـ 22 تقريبًا، إلا أنه في المقابل بدأت التحديات تأتي من جديد وتحديدًا من جهة الخوادم التي بدأت كلفتها الشهرية بالارتفاع لحد يفوق ميزانية فريق العمل.
في هذا الوقت كانت شهرة التطبيق تزداد شيئًا فشيئًا، ومشاكل الميزانية وصلت إلى الأوساط الإعلامية وهو ما دفع شركة Lighspeed إلى تمويل مُؤسسي سناب شات وتقديم مبلغ 485 ألف دولار أمريكي للمساعدة في التخلّص من المشاكل المادية، حيث قُدّر التطبيق في ذلك الوقت بقيمة 4 ملايين دولار أمريكي تقريبًا.
بعد وصول المبلغ إلى حساب إيفان – مُوسس التطبيق – قرر الخروج من الجامعة وعدم التخرّج للتفرّغ بشكل كامل للعمل على التطبيق وإطلاق نسخة لنظام أندرويد مع نهاية العام، حيث عمل التطبيق لمدة سنة تقريبًا على نظام آي أو إس iOS فقط.
مع بداية عام 2013، عام السعد على الشركة، وصل عدد المُشاركات اليومية إلى أكثر من 60 مليون مُشاركة، وبالتالي ارتفعت قيمة التطبيق إلى 13 مليون دولار تقريبًا.
عاد ريجي إلى الواجهة من جديد، كيف لا وفكرته وصلت قيمتها إلى 13 مليون دولار ولا يملك منها دولار واحد، وقام برفع دعوة قضائية للمطالبة بحقوق الملكية الفكرية في تطبيق سناب شات.
لم يكترث فريق عمل التطبيق لهذه المشاكل وتابعوا مسيرة النجاح ونجحوا في الوصول إلى 150 مليون مُشاركة يوميًا في صيف عام 2013، وارتفعت بذلك قيمة التطبيق التي وصلت إلى 800 مليون دولار تقريبًا، وحصلوا على تمويل جديد بقيمة 80 مليون دولار.
وما أن ترتفع قيمة التطبيق، حتى يعود ريجي من جديد للواجهة وبدأ بنشر مُحادثات بينه وبين إيفان تمت بالبريد الإلكتروني أو الرسائل القصيرة لإثبات ملكيته لفكرة التطبيق للحصول على تعويض مادي.
وبما أن إيفان وبوبي قرروا منذ البداية التخلّص من ريجي، فإنهم لم يكترثوا من جديد تاركين القضية للمحاميين للتركيز على التطبيق فقط، الذي أثار حفيظة مارك زوكربيرغ والذي تجرأ وتقدّم بمبلغ 3 مليار دولار للاستحواذ عليه، إلا أن إيفان رفض المبلغ بشكل فوري ودون تردد لأنه كان يعلم ما الذي ينتظر التطبيق في المُستقبل.
خلال هذه الفترة، عمل فريق عمل سناب شات على إضافة ميزات بشكل دائم لمنافسة بعض التطبيقات مثل انستقرام الذي قدّم ميّزة الرسائل المُباشرة Direct Messages، وهي ميّزة لاقت نجاحًا كبيرًا لمُستخدمي التطبيقين على حد سواء.
لم يكن عام 2014 كسابقه أبدًا، فالتطبيق عانى من مشاكل تتعلق بالخصوصية والأمان، فضلًا عن دعاوي قضائية تتهمه بانتهاك اتفاقية الاستخدام، إلا أنه ومن جديد تابع فريق العمل مهمتهم في تقديم ميّزات جديدة مُعتبرين أن هذه المشاكل ستُحل سواءً بالمال أو بالقضاء دون أن يتأثر التطبيق أبدًا.
وبالفعل مع نهاية 2014 وصلت الدعوة القضائية بين ريجي ومالكي سناب شات إلى نهايتها، حيث نشرت الشركة تدوينة رسمية ذكرت فيها أن ريجي هو صاحب الفكرة وتشكره على مُساهماته في التطبيق وتحويله إلى فكرة على أرض الواقع.
نجح التطبيق في الحصول على تمويل وصل إلى 648 مليون دولار أمريكي منذ تأسيسه وحتى يومنا هذا، بقيمة تُقدّر بأكثر من 19 مليار دولار أمريكي، وهو رقم يساوي المبلغ الذي دفعته فيس بوك للاستحواذ على تطبيق واتس اب !
لا يمتلك إيفان قوى خارقة للطبيعة مكّنته من التربع على عرش أصغر ملياردير في العالم، بل تفكيره الدائم في تحويل الأفكار إلى واقع ملموس هو الذي أوصله إلى هذا النجاح.
الاستلهام من الوسط المُحيط من أبرز سمات النجاح التي تبدأ بتحليل الواقع والتعرّف على محتوياته قبل توسعة مجال الرؤية ورفع سقف الطموح.
وإن كُنت تعتقد أن المشاريع الناجحة قد انتهت أو نهر الأفكار قد نضب، فأدعوك مُباشرةً لمتابعة مدونة صديقنا العزيز محمد حبش وحساباته على الشبكات الاجتماعية، حيث ينشر من خلالها مجموعة من الأفكار بشكل يومي تقريبًا لعل أحدنا ينجح في تحويلها إلى واقع ملموس في يوم من الأيام.