حذر مسئولين أوروبيين من أن القارة العجوز تنتظر شتاء مروع بسبب أزمة الطاقة العالمية، التي تسببت فيها الحرب الروسية الأوكرانية، واستمرار عدم حل أزمة ارتفاع أسعار الغاز.
وتعاني دول الاتحاد الأوروبي، من تزايد أسعار الغاز بشكل متسارع، منذ بدء الحرب بين موسكو وكييف، وما تبعه من عقوبات على روسيا والتي تعتبر المصدر الأكبر للغاز إلى دول القارة.
زيادة قياسية فى أسعار الكهرباء
وتشهد أوروبا أيضا زيادة في أسعار الكهرباء، بحيث وصلت إلى مستويات قياسية، وذلك لأن الغاز يعد مصدرا أساسيا لتوليد الكهرباء.
ففي فرنسا، قال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران، إن حوالي 19% من محطات الوقود في منطقة باريس تواجه مشكلات في الحصول على إمدادات وقود كافية.
وأدت الإضرابات وأعمال الصيانة غير المخطط لها إلى تعطل أكثر من 60% من طاقة التكرير الفرنسية، أي 740 ألف برميل يوميا، ما أجبر البلاد على استيراد المزيد من الوقود، في وقت أدى فيه الغموض بشأن الإمدادات العالمية إلى زيادة التكلفة، وقال المتحدث باسم الكونفدرالية العامة للشغل تييري ديفرسن، لـ”رويترز”، إنه لم يتغير أي شيء في مواقع توتال إنرجيز الأربعة منذ يوم الأربعاء. ونقلت الوكالة عن فيران قوله إن فرنسا لديها إمدادات كافية من الوقود بشكل عام.
ويعد هذا الإضراب جزءا من تحركات عمالية أوسع في جميع أنحاء فرنسا، تطالب بزيادة الأجور ومعاشات التقاعد في ظل تراجع القوة الشرائية مع ارتفاع التضخم في جميع أنحاء أوروبا. وأدى ذلك إلى إضرابات في مفاعلات نووية، ما أدى إلى الحد من إمدادات الكهرباء.
وقالت الحكومة الفرنسية هذا الأسبوع إن فرنسا لجأت إلى احتياطاتها الاستراتيجية من الوقود لإعادة تزويد المحطات، وسط إضرابات في المصافي والمستودعات حدت من الإنتاج ومنعت عمليات التسليم.
وقال الاتحاد الفرنسي للصناعات البترولية إن عدم ضخ الوقود بالقدر الكافي يرجع إلى أمور لوجستية وليس إلى نقص الإمدادات. وأضاف أن السحب من المخزون لم يؤثر قط على المستوى الوطني للاحتياطيات.
وذكر المتحدث باسم الاتحاد عن السحب من المخزون: “مُنحت بعض المناطق مرونة للحصول (على إمدادات) مع المناطق الأخرى التي لديها فائض لتحقيق التوازن”.
وحظرت السلطات في منطقة أوت دو فرانس الأكثر تضررا، بالقرب من الحدود مع بلجيكا، بيع الوقود والديزل في أي حاويات محمولة.
خفض الأنوار فى المدن الأوروبية بسبب أزمة الطاقة
وصارت باريس أحدث مدينة أوروبية تعلن عن اتخاذ إجراءات لتوفير الطاقة وخطط لإطفاء الأنوار عند برج إيفل الشهير، قبل أكثر من ساعة من الموعد المحدد لها، وفي الوقت نفسه، من المقرر أن تطفأ إضاءة المباني العامة والمتاجر أثناء فترة الليل.
وفي ألمانيا تم اتخاذ إجراءات مماثلة في برلين، حيث تحدثت العمدة فرانسيسكا جيفاي، لصالح عدم إضاءة المعالم العامة مثل بوابة «براندنبورج» التاريخية المعروفة، بعد منتصف الليل.
ووصلت كلفة استهلاك الكهرباء للعام المقبل، إلى ما يقرب من ألف يورو، لكل ميغاوات ساعة، بينما وصلت الكلفة في فرنسا إلى 1130 يورو.
من جانبه كتب وزير الطاقة البلجيكي، تين فان دير ستراتين على حسابه على تويتر أن أسعار الغاز في أوروبا يجب أن يتم تثبيتها بشكل عاجل.
وأضاف أن الرابط بين سعر الغاز وسعر الكهرباء، رابط تجاري، ويجب أن يتم التخلص منه، وقال “خلال السنوات الخمس، أو العشر المقبلة، سيكون فصل الشتاء مروعا إذا لم نفعل شيئا حيال أسعار الغاز، ويجب أن نتخذ قرارا، على مستوى أوروبا، ونحاول تثبيت الأسعار.
أما إسبانيا، فقد طالبت في أغسطس الماضي بوضع حد لإضاءة المباني العامة ونوافذ المتاجر بعد الساعة العاشرة مساء، فيما أفادت تقارير بأن هناك أجزاء في سويسرا تطفئ نصف أضواء الإنارة في شوارعها أثناء فترة الليل، من أجل الحفاظ على الطاقة والتقليل من التلوث الضوئي.
إفلاس في بريطانيا
وفي بريطانيا قالت وكالة “أسوشييتد برس” إن الحكومة البريطانية طرحت تراخيص جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال، على الرغم من انتقادات دعاة حماية البيئة والعلماء الذين يقولون إن هذه الخطوة تقوض التزام البلاد بمكافحة تغير المناخ.
كما أصبح الوضع الاقتصادي يبعث على القلق، فقد بلغت نسبة التضخم 10%، وأصبحت الطوابير أمام بنوك الطعام أطول من ذي قبل، إذ يوجد في المملكة المتحدة سبعة ملايين شخص لا يجدون ما يأكلونه بسبب ضيق ذات اليد.
الوقوف في طوابير طويلة على الأرصفة في شوارع المملكة المتحدة للحصول على طعام مجاني أصبح مشهدا مألوفا، ما ستدعى تكثيف نشاطات تلك الهيئات الخيرية، ولكن في وقت زاد الطلب على الغذاء بنسبة كبيرة، فإن التبرعات تراجعت بشكل حاد.
وبالتالي فإن البلد الذي يعد أحد أقوى الدول العظمى في العالم، أصبحت لديه اليوم بنوك طعام أكثر من مطاعم الوجبات السريعة.
ووفق لصحف بريطانية، يقول رجل كان ينتظر دوره أمام بنك طعام في لندن: “لا أريد المجيء إلى هنا، إنه أمر مهين، ولكن ليس لدي خيار، ولا أريد أن أسرق من المتاجر“.
وتقول سيدة أخرى جاءت لذات الهدف: “الغذاء أصبح غالي الثمن، والأمر صعب”، فيما يقول رجل آخر: “كنا نتبرع بالطعام هنا، والآن ها نحن نحتاجه”.
ووصل معدل انهيار الشركات والأعمال في بريطانيا إلى أعلى مستوى له منذ قمة الأزمة المالية العالمية عام 2008 – 2009، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة وتراجع الطلب على السلع والخدمات وارتفاع كلفة الاقتراض نتيجة الزيادات المتتالية في أسعار الفائدة.
مطالب لصندوق النقد الدولي بإنقاذ العالم من الركود الاقتصادي
في مواجهة التحذيرات التي أطلقها البنك الدولي الشهر الماضي من تنامي مخاطر حدوث ركود عالمي نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، وتأكيده أن ما يقرب من 600 مليون شخص سيظلون يعيشون في فقر مدقع بدخل يبلغ 2.15 دولار فقط في اليوم بحلول عام 2030، دعت 140 مجموعة من منظمات المجتمع المدني في رسالة إلى مجلس إدارة صندوق النقد الدولي إصدار 650 مليار دولار من احتياطيات الطوارئ الجديدة لمساعدة الدول الأعضاء في مواجهة أزمات الصحة والغذاء والطاقة والتضخم المتداخلة.
وسبق أن أكد مسؤولو صندوق النقد الدولي ا في يوليو الماضى أن إصدارا جديدا لاحتياطيات حقوق السحب الخاصة كان من بين الخيارات لمساعدة البلدان التي تكافح تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، لكن لم تكن هناك مناقشات نشطة بشأن هذه المسألة.
وجاءت مطالبة المنظمات بتخصيص ثان كبير لحقوق السحب الخاصة خلال ما يزيد قليلا على العام، بينما يستعد مسؤولو المالية العالمية للاجتماع في واشنطن لحضور الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وصدرت دعوات مماثلة من المشرعين ومجموعات الأعمال في الأشهر الأخيرة، على الرغم من أن النقاد يقولون إن الإصدار الجديد سيوفر أيضا أصولا جديدة لروسيا، التي لا تزال عضوا في صندوق النقد الدولي.
ويقول المؤيدون إن روسيا ستتعرض لضغوط شديدة من الناحية العملية للعثور على أي دولة تستبدل حقوق السحب الخاصة بها بالعملات الصعبة، وقال مارك بلانت، المسؤول السابق في صندوق النقد الدولي في مركز التنمية العالمية، إنه سيكون من الصعب الحصول على الموافقة بنسبة 85% اللازمة لتخصيص آخر نظرا للإحباط الشديد، لأن مجموعة العشرين التي تضم أكبر اقتصادات عالمية لم تف بالتزامها بإعادة تدوير 100 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة من آخر عملية.
وأنشأ صندوق النقد الدولي في أغسطس 2021 وأصدر 650 مليار دولار من أصول حقوق السحب الخاصة بالبلدان الأعضاء لمساعدتها على التعافي من جائحة كوفيد-19، لكن الدول الفقيرة تطالب بمزيد من الأموال بسبب ارتفاع التضخم وأزمة الديون المتصاعدة.