لا شك في أن تطور الأعمال في عصرنا الحاضر بني على تطور فنون الإدارة، ولطالما حفل تاريخ العالم بأخبار القادة الفاشلين الذين تسببوا بسوء إدارتهم في جلب الخسائر وإلحاق الفشل بالأعمال التي اضطلعوا بها وفي المقابل حفل أيضا بأخبار القادة الناجحين الذين حققوا أهدافا عظيمة في الشركات التي قادوها وغالبا ما يُعزى نجاح الشركات أو فشلها إلى المديرين والذين يمكن أن تكون قدراتهم أو نواقصهم مسؤولة بشكل مباشر عن نجاح تلك الشركات أو فشلها.
نقاط عمياء
وفي كتابه “فريق العمل المناسب والسيئ: كيف تُبنى الحياة الوظيفية وماذا يقوضها؟” حاول كارتر كاست أستاذ الإدارة في كلية نورثويسترن كوليدج الوقوف على أسباب انهيار الحياة الوظيفية لبعض المديرين، وتحقيق آخرين لنجاحات متصلة.
ولفت كاست إلى أن نصف إلى ثلثي المديرين الحاليين سيتم الإطاحة بهم من مناصبهم أو تخفيض درجتهم، أو سيضطرون للاستقالة في نقطة ما من حياتهم الوظيفية، عازيا ذلك إلى معاناة المديرين من “نقاط عمياء” (لا يرونها) تجعلهم لا يحققون النجاح المنتظر أو المطلوب، ومن أهم هذه النقاط:
لا يخطئ وليس بحاجة للنصائح
غالبا ما يعتقد المدير الفاشل أنه لا يخطئ وليس بحاجة إلى النصائح أو الدعم، وذلك بعد تحقيقه لقدر من النجاحات وضرب مثلًا كاست بالأخطاء الإدارية التي ضربت شركة “آي.بي.إم” لفترات طويلة في ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي، حيث أفاد غالبية الموظفين بأن الإدارة لم تكن تستمع لآرائهم بحال.
تجاهل ضغوط العاملين وظروفهم السيئة
يتجاهل المدير الفاشل تصرفات الموظفين السيئة بدعوى عدم تأثيرها “الخطير” على سير العمل ويتآمر المديرون في رأي الكاتب من أجل إفشال الشركة، حيث تتفاقم الأخطاء الصغيرة إن عاجلًا أو آجلا لتتحول إلى عقبات كؤود تحول دون نجاحها، ويضرب مثلًا هنا بالكثير من الشركات العاملة في مجال استخراج المواد الأولية، حيث تجنح تلك الشركات لتجاهل الضغوط على عامليها والظروف السيئة التي يعملون بما يؤدي لإفلاس الكثير من تلك الشركات في وقت قصير.
سماع ما يعجبه وليس ما يسيئه
يميل المدير الفاشل تلقائيًا لسماع ما يعجبه وليس ما يسيئه، ويفضل المدح على الذم، وضرب كاست مثلًا بشركة فولكس فاجن التي عانت في أوائل الألفية الحالية من تراجع كبير في المبيعات في ظل إصرار الشركة على إنتاج السيارة “الأفضل” أو الأكثر كفاءة، بدون النظر لعامل الجذب في الشكل والتسويق رغم تنبيه الكثير من العاملين لمديريهم لأهمية ذلك.
نقص الذكاء العاطفي
إن غالبية المديرين لا يعانون من نقص في الذكاء التقليدي، بل يملك بعضهم خبرات استثنائية، ولكن الدراسات أثبتت أن نقص الذكاء لم يكن أبدًا العقبة أمام نجاح المديرين، ولكن نقص الذكاء العاطفي، والمقصود به القدرة على التعامل مع الناس بالشكل الذي يستخرج منهم أفضل ما لديهم.
عدم الجمع بين الصدق والحماس
يعمد الكثير من المديرين إلى بث روح الحماس في نفوس الموظفين، وعلى الرغم من تحقيق هذا لنتائج إيجابية لبعض الوقت ولكن النتيجة ليست مؤكدة ولا تستمر في أغلب الأحيان، ولذا على المديرين أن يتوجهوا بالحديث الصادق وليس الحماسي، فهذا الأكثر استمرارية لإقناع العاملين بالخطوات المتخذة وليس تحميسهم لها فقط، ولو تمكن المدير من الجمع بين الأمرين فهذا جيد بالتأكيد.
عدم التركيز على نقاط الضعف
يعد التركيز على نقاط القوة أمر إيجابي بالنسبة للشركة بيد أنه سلبي بالنسبة للمدير، فالكثير من المديرين لديهم خبرات ومعرفة في أحد قطاعات الشركة عن غيرها، لذا يسعون إلى التوسع “فيما يعرفون”، وضرب كاست المثل بـ”آي.بي.إم” مجددًا، التي يشير إلى أنها عانت من التركيز على نقاط قوة مديريها في الأجهزة ولم تلتفت للبرمجة بما أدى لتحقيق طفرات كبيرة بعيدة عن الشركة جعلتها خارج هذا السوق تقريبًا.
عدم تشجيع الموظفين على البوح بانتقاداتهم
في أغلب الشركات عندما تثار الانتقادات في الغرف المغلقة لا تخرج إلى العلن بسبب خشية الموظفين من ردة فعل المديرين حال توجيههم لانتقاد، لذا على المدير الناجح تشجيع الموظفين على البوح بانتقاداتهم، من خلال التصريح بأن موظفًا انتقد كذا وكذا وإما تأييد ما قال والعمل على تغييره بالفعل أو معارضته بحجج واضحة ومنطقية.
غياب الصدق مع الذات
لابد للمدير الناجح من مراجعة قراراته باستمرار وماذا إذا كنت تواصل على نفس النهج الذي أوصلك للنجاح أو بدأت الانحراف عنه لسبب أو آخر، وهذا يعني إعطاء نفسك الفرصة للتفكير الهادئ غير المنحاز أولًا، وثانيًا الصدق مع الذات حتى في حال الاضطرار للاعتراف بالفشل.